فيما يسعى العلماء منذ عقود لفهم أسرار طول العمر والوقاية من الأمراض المزمنة، تأتي دراسات حديثة لتؤكد أن الصيام قد يكون أحد الحلول الفعالة لتعزيز الصحة وإطالة العمر، فقد كشف فريق بحثي عن نتائج مشجعة بشأن تأثير صيام رمضان على تحسين المؤشرات الأيضية وإطالة العمر، وذلك من خلال دراسة منشورة في دورية «Scientific Reports»، والتي اعتمدت على نموذج حيواني لدراسة تأثير الصيام على الفئران.

الصيام وتحسين التمثيل الغذائي

أظهرت الدراسة أن الصيام يُشكل دورًا مهمًا في تحسين التمثيل الغذائي، خاصة لدى الفئران التي اتبعت نظامًا غذائيًا عالي الدهون، حيث لوحظ انخفاض في مستويات عامل النمو الشبيه بالأنسولين (IGF-1)، والذي يرتبط بمخاطر الشيخوخة ويحفز النمو السريع للخلايا، بما في ذلك الخلايا غير الطبيعية، وأوضح الباحثون أن انخفاض هذا العامل أثناء الصيام يسهم في إبطاء النمو الخلوي، وإصلاح الخلايا، وتقليل فرص الإصابة بالسرطان.

وفي هذا السياق، يقول الدكتور محمد الحوفي، أستاذ علوم الأغذية بجامعة عين شمس لـ«الوطن»، أن الصيام لا يوقف فقط النمو غير الضروري للخلايا، بل يُعزز آليات الإصلاح الطبيعي داخل الجسم، ما يؤدي إلى تقليل الالتهابات وتحسين الصحة العامة.

كما أدى الصيام إلى تقليل نشاط بروتين mTOR، المسؤول عن تنظيم نمو الخلايا وإنتاج الطاقة، إذ يساعد خفض نشاطه على تحفيز عمليات إصلاح الخلايا والتخلص من النفايات الخلوية، مما يقلل من تأثيرات الشيخوخة.

الصيام والوقاية من الأمراض المزمنة

وتشير دراسة أخرى نُشرت في مجلة الأيض إلى أن الصيام لا يقتصر فقط على تعزيز طول العمر، بل يمكن أن يكون وسيلة فعالة في الوقاية من الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب، والسكري، والسرطان.

وأوضح الدكتور الحوفي أن الصيام يتمتع بالعديد من الفوائد الصحية، حيث يساعد في تحسين التمثيل الغذائي، وتعزيز صحة الجهاز الهضمي، وتنظيم مستويات السكر في الدم، كما يساهم في تقليل الالتهابات، وتحسين وظائف الدماغ، وتعزيز فقدان الوزن بطريقة طبيعية

ويضيف الحوفي أن الصيام يعمل على تحسين استجابة الجسم للطاقة عبر تنشيط إنزيم AMPK، المسؤول عن تحسين إنتاج الطاقة، كما يقلل الالتهابات من خلال خفض مستويات إنترلوكين 6 (IL-6) وعامل نخر الورم ألفا (TNF-α)، اللذين يرتبطان بتطور الأمراض المزمنة.

الصيام وتأخير الشيخوخة

وفي تقرير سابق نشره موقع Express، أُشير إلى أن الصيام يسهم في إبطاء علامات الشيخوخة من خلال الحفاظ على صحة الخلايا والحمض النووي، حيث يقلل من تلف الخلايا ويحسن قدرة الجسم على إزالة السموم الخلوية، ما يبطئ ظهور علامات الشيخوخة.

وأشار الدكتور الحوفي إلى أن الخلايا التالفة والملتهبة هي السبب الرئيسي للأمراض المزمنة، وعندما يبدأ الحمض النووي في التآكل، تبدأ الشيخوخة، لكن الصيام قد يكون وسيلة فعالة للحفاظ على صحة الحمض النووي وإبطاء هذه العملية.

الصيام والحالات الصحية

وعلى الرغم من الفوائد العديدة للصيام، إلا أن الحوفي يؤكد ضرورة الحذر في بعض الحالات، موضحًا أن قبل اتخاذ قرار الصيام، يجب على الأفراد الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم استشارة الطبيب، فقد يكون الصيام مفيدًا للبعض، لكنه قد يشكل خطرًا صحيًا للآخرين، خاصةً إذا كان هناك احتياج منتظم لتناول الأدوية أو الطعام.

كما يشدد على أهمية اتباع نظام غذائي متوازن خلال الصيام، قائلًا: يمكن أن يؤدي الصيام إلى الجفاف، وانخفاض مستويات السكر في الدم، والشعور بالإرهاق، خاصة عند عدم اتباع نظام غذائي متوازن، لذا، يُنصح بشرب كميات كافية من الماء، وتناول وجبات غذائية متوازنة في السحور والإفطار، وتجنب المأكولات الغنية بالدهون والسكريات.

الصيام والتغذية السليمة

وعن النظام الغذائي الأمثل خلال الصيام، ينصح الدكتور الحوفي بأن يُفضل تناول أطعمة غنية بالبروتين والألياف مثل البيض، والشوفان، والفواكه، والمكسرات في وجبة السحور، لتوفير طاقة تدوم طوال النهار. كما يُنصح بتناول الحبوب الكاملة التي تساعد على الشعور بالشبع لفترة أطول.

أما عن وجبة الإفطار، فيوضح الحوفي أنه يجب أن تبدأ بوجبة خفيفة مثل التمر والماء، تليها أطعمة غنية بالبروتين والكربوهيدرات المعقدة مثل اللحوم الخالية من الدهون، والخضروات، والأرز البني، مع تجنب الأطعمة المقلية والسكريات الزائدة.

إذ لم تعد فوائد الصيام مقتصرة على الجانب الديني فحسب، بل أثبتت الدراسات الحديثة أنه قد يكون مفتاحًا للحفاظ على الصحة وإطالة العمر، فمن خلال تنظيم العمليات الأيضية، وتقليل الالتهابات، وتحفيز إصلاح الخلايا، يمكن للصيام أن يكون وسيلة فعالة للوقاية من الأمراض المزمنة وتأخير الشيخوخة.