رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

ماما

«شقا بطعم الفاكهة».. حكايات الأيدي الناعمة في ريف أكبر محافظة مصدرة للفراولة (فيديو)

كتب: سمر صالح -

10:19 م | الجمعة 08 أبريل 2022

محصول الفراولة

رائحة الخضرة تنشر الحيوية، فتزيل بها عَفَارة طريق الوصول إليها، جدران البيوت والشوارع الجانبية على أطراف المساحات الخضراء في ريف القليوبية تفوح برائحة محصول الفراولة، ممزوجا بـ«كفاح وشقى» فتيات وسيدات بـ«100 راجل» رفضن الاستسلام لظروف معيشية صعبة، فحملن المسؤولية دون تردد، وبحثن في «خرم الإبرة» عن انفراجة تمثل لهن الأمل، ليمنحن القوة والشجاعة لمن حولهن حتى وقفن بفخر يروين قصص النجاح، التي طُبعت آثارها على ملامحهن، بعزة نفس ورأس مرفوعة.

القليوبية أكبر محافظة مصرية مصدرة للفراولة

«الذهب الأحمر».. لقب حازته ثمرة الفراولة بين قريناتها من الفواكة وباتت مصدر دخل أساسي لبعض قرى مركزى شبين القناطر وطوخ بمحافظة القليوبية، قبل سنوات قليلة وحين وصل أبناءها إلى سن المدرسة، اتخذت سعاد محمد قرارا بالعمل لمساعدة زوجها في أعباء المعيشة، فاتجهت نحو الأرض الزراعية بحثًا عن فرصة عمل تناسبها، متحدية الرجال في مهنة ذات طابع ذكوري مُسيَّرة وليست مُخيرة.

«نزلت أشتغل وسط الزراعات عشان أجيب لقمة عيالي وأعلمهم»، كلمات تقولها السيدة البالغة من العمر 43 عاما، في بداية حديثها لـ«الوطن»، بصوت منهك من أثر العمل في الأرض الزراعية وتحت حرارة شمس الظهيرة بينما كانت منشغلة بحصاد محصول الفراولة.

الأيدي العاملة في أراضي الفراولة من السيدات

تشققات وجروح ملأت راحة يديها، وبقايا طين استقرت في أظافرها، هيئة تبدو عليها «سعاد» وسط الحقل تدل على سيدة لم تعش شبابها، تهم بحمل «قفة» جلدية ممتلئة بثمار الفراولة، حصدتها بنفسها منذ باكورة الصباح، فينكشف بنطال ذكروي ارتدته لتتحرك بحرية وسط الزرع كما فرضت عليها المهنة: « اتعودت على الشقى عشان عيالي ومصاريف تعليمهم، وعشان أجوز بنتي الكبيرة»، تقول عبارتها وتمضي في جني ثمار الفراولة.

عبرت «سعاد» عن فخرها بأن محافظتها تحتل مرتبة الصدارة في تصدير «الذهب الأحمر» لدول العالم بأيدي سيدات بـ«100 راجل»، بحسب تعبيرها: «مبسوطة إن تعبنا ده بيوصل للعالم كله، أغلب اللي شغالين في الفراولة ستات، إحنا بننزل نحصد وننضف الفراولة كمان عشان تروح المصانع نضيفة»، بحسب تعبير الأم الأربعينية.

«سعدية» شقيانة على ولادها من صغرها

منذ وفاة زوجها حين كانت في السابعة والعشرين من عمرها، لم تعرف سعدية إبراهيم مهنة سوى العمل في «الفراولة»، تحصد المحصول الذي حفظت أسراره وأجادت زرع بذوره في الأرض بعد توجيهات عدة تتلقاها يوميا من مالك الأرض التي تعمل بها، حتى باتت تتحدث بلهجة علمية عن السابق رغم أميتها، وبحسب وصفها للتجربة الجديدة بلكنتها الفلاحي: «اتعلمت أزرع الأرض وبنسقيها وحفظت أيام موسم الحصاد وكل حاجة تخص الفراولة».

حالها كحال السيدات العاملات معها، يبدأ يومها مبكرا قبل شروق الشمس، تتناول فطورا بسيطا في عجالة، تبقى عليه حتى نهاية يومها توفيرا للمال، تروي متاعب مهنتها التي شبت وشابت عليها: «أصعب حاجة لما نوطي طول اليوم، ضهري بيتعب»، كما أن برودة الشتاء فجرا لم ترحم عظام الأم الخمسينية: «الشغل في البرد صعب جدا، بس ده أكل عيشنا».

 

 

«أم سعيد» تغني للفراولة وسط الأرض الزراعية

على بعد خطوات قليلة يعلو صوت صوت «دندنة» أم سعيد، التي رفضت الإفصاح عن اسمها الحقيقي كما تحكم عليها عادات بيئتها الريفية، تُشعل حماس السيدات بصوتها الناعم، تهون به عليهن الشقاء: «كل يوم بنتجمع جنب من الأرض وننضف المحصول، واليوم التاني نجمع الباقي وكل يوم على الحال ده»، كلمات تقولها بابتسامة تتضح على عينيها من خلف الكمامة، تفخر بتعب يديها الذي يصل إلى دول العالم.

انحراف يكاد لا يُرى في طريقة السير، يفضح الهدوء المُدعي للسيدة التي أحكمت قبضتها على «القفة» وقد امتلأت بالفراولة، وقفت لتستريح ثوان قليلة من عناء الحصاد: «أنا وكل الستات اللي شغالة ملناش شغلانة غير دي»، باتت أقصى أحلامها العودة بجيوب ممتلئة لتكفي احتياجات بيتها، بحسب تعبيرها.

بالجلابية الفلاحي ولكنة مميزة، يتحدث أشرف محمد، مالك أراضي زراعية وتاجر فراولة بقرية عرب الحسانية في محافظة القليوبية، لـ«الوطن» عن المحصول الذي تشتهر به محافظتهم: «في أنواع كتير منها الفلوريدا والفرتونا وفستيفال»، يجيد التعامل مع كل منها، ويوجه نصائحه للسيدات العاملات في الأرض معه ليخرج من تحت أيديهن محصول تتحاكى به دول العالم.

«الستات شغالة في الفراولة لأن ده المحصول الأساسي عندنا، ومفيش فرص شغل ليهم» يستكمل المزارع حديثه، لافتا إلى أنهن احترفن الصنعة، وباتت القليوبية أكبر محافظة مصدرة للفراولة لدول العالم منها روسيا وأمريكا والسعودية والإمارات.

الكلمات الدالة