رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

المستشار محمد سمير يكتب: المرأة والحق في الفضاء العام

كتب: الوطن -

11:52 ص | السبت 08 ديسمبر 2018

المستشار محمد سمير يكتب: المرأة والحق فى الفضاء العام

منذ الخامس والعشرين من نوفمبر الماضى، ولمدة ستة عشر يوماً متتالية، يحتفل العالم بأسره بمناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة، منذ تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 1999 هذا التاريخ، تخليداً للحادث المأساوى لاغتيال الفراشات الثلاث «الأخوات ميرابال» على يد ديكتاتور الدومينيكان تروخيللو عام 1960.

يأخذ العنف ضد المرأة أنماطاً عدة، وتعرِّفه الأمم المتحدة بأنه «أى فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو النفسية، بما فى ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو الحرمان التعسفى من الحرية، سواء كان ذلك فى الحياة العامة أو الخاصة».

فإذا ما نظرنا لجريمة كانت، وما زالت، تؤرق المجتمع المصرى، وتعمل الدولة المصرية على مكافحتها، وهى جريمة التحرش الجنسى، سنجدها تشكل تهديداً مستمراً لوجود المرأة فى المجال العام، تزيد وطأته مع مواسم الاحتفالات والأعياد.

قبل عام 2014 لم يعرف القانون المصرى توصيفاً لجريمة التحرش، حتى تم تعديل القانون فى 2014، فى رؤية شملت تصحيح العديد من الأوضاع، مع تأسيس الدولة المصرية الجديدة بعد 30 يونيو، لتبدأ عقوبة التحرش بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر و/أو غرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه، وتصل فى حدها الأقصى المشدد للسجن خمس سنوات، والغرامة التى تصل إلى خمسين ألف جنيه.

رغم هذا التعديل المحمود، ورغم توجه الدولة الواضح لمكافحة تلك الظاهرة، فهى ما زالت تلقى بظلالها، لتحرم الفتيات والنساء من ارتياد المجال العام بحرية، أسوة بغيرهم من المواطنين من الذكور، بشكل يتجاوز البعد القانونى إلى أبعاد اجتماعية ونفسية واقتصادية متعددة.

التحرش، وفقاً للقانون العقابى المصرى، هو جنحة يتضمن ركنها المادى أى فعل من قبيل الإشارة أو الإيماءة أو الكلمة أو الصوت أو الملاحقة أو النظرة، متى انطوت على مدلول جنسى، وهنا لا يلمس الجانى جسد الضحية بأى صورة من الصور أياً كانت، وهو فارق جوهرى عن جريمة أخرى هى هتك العرض، إلا أن التغطية الإخبارية والإعلامية لحوادث عدة ساهمت فى غرس مفهوم خاطئ حول التحرش، إذ تم إطلاق وصف واقعات «التحرش الجماعى» على أحداث كبرى كانت تحيط بالضحية فيها عشرات الأجساد والأيدى تنتهكها جسدياً، بينما كان التوصيف الصحيح لتلك الجرائم هو «هتك العرض»، وقد تسبب ذلك فى تكوُّن ذهنية عامة ملتبسة لدى العوام ورجل الشارع، مفادها أن التحرش هو انتهاك جسد المرأة، بينما جريمة التحرش لا تتضمن، على الإطلاق، أى تلامس جسدى بين الجانى والضحية.

من ناحية أخرى ظهرت صعوبات أخرى فى مجال تطبيق القانون، تمثلت فى صعوبة قيام الفتاة باقتياد المتحرش إلى أقرب قسم شرطة لمباشرة الإجراءات، خاصة مع رد فعل قد يكون سلبياً من قبَل المارة أو شهود الواقعة، سواء بالتعاطف مع الجانى أو التهوين من أثر الجريمة، وقد يصل إلى إصدار الأحكام على الضحية، بحسب ما ترتديه من ملابس، أو مكان وجودها فى المجال العام وتوقيته، وهى ذهنية مسيطرة على قطاع لا بأس به من المواطنين، بما يحتاج إلى العمل المتواصل لتغيير تلك الثقافة والذهنية بشكل يجعل الاستهجان والعار يلحق الجانى لا المجنى عليها.

كما تشمل صعوبات التطبيق غياب وجود قانون لحماية المبلغين والشهود، بما يتسبب فى أن يعلم الجانى كافة بيانات المجنى عليها من واقع محضر الواقعة، فضلاً عن أهمية توعية رجال إنفاذ القانون بكافة مؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية بكافة أركان وآثار تلك الجريمة وتوابعها الاجتماعية والاقتصادية، وتدريبهم على كيفية التعامل مع المجنى عليهن، بل ولا نبالغ إذا قلنا بضرورة إنشاء جهات شرطية وقضائية على مستوى الجمهورية متخصصة فى تلقى البلاغات فى مثل تلك الجرائم ومباشرة تحقيقها وصولاً للعدالة الناجزة.

وأخيراً لا يتسع المجال ها هنا لحزمة الإصلاحات التشريعية التى قد نحتاج إليها فى هذا الخصوص، وعلى رأسها قانون لحماية المبلغين والشهود، وتعديل لوصف جريمة «هتك العرض»، وتعديل الركن المادى لجريمة «الاغتصاب»، ليشمل كافة صوره المتعددة، لا على النحو الوارد بالقانون الحالى، ووضع مدونات سلوك بكافة المؤسسات العامة والخاصة لتوفير بيئة آمنة للنساء داخل مقر العمل، وهو ما يمكن إدراجه فى قانون شامل للعنف ضد المرأة.