رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

من الأزمة الاجتماعية إلى الاضطراب النفسى: تعددت أسباب الطلاق والخراب واحد

كتب: سلمان إسماعيل -

11:46 ص | الثلاثاء 31 يوليو 2018

الطلاق

حذر خبراء من خطورة تضخُّم معدلات الطلاق خلال الفترة الأخيرة على المجتمع المصرى، وأدرج متخصصون فى علم الاجتماع الأسباب المؤدية للطلاق ضمن العادات الخاطئة وممارسات الزوج أو الزوجة التى تجعل الحياة بينهما مستحيلة، فى حين ذهب أخصائيو علم النفس إلى أن الظاهرة «قنبلة تهدد مستقبل المجتمع وتزيده تفككاً».

تقول الدكتورة إيمان عباس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة أسيوط، إن المجتمع المصرى يشهد حالة من الاختلال فى أركان كثيرة منه، وإن تضخُّم معدلات الطلاق بهذا الشكل المفزع يأتى نتيجة حتمية للاختلاف الجذرى والتغيرات التى حدثت فى المجتمع، مُضيفة لـ«الوطن»: «معدلات الطلاق زادت بسبب أن الرجال تخلوا عن مسئوليتهم واستسهلوا الأمور»، وأشارت إلى أن واحداً من أهم مسببات الطلاق وفشل الحياة الزوجية كون الزواج قائماً على مصلحة ومنفعة منذ البداية، فالبعض يسعى للزواج من امرأة عاملة ليستولى على دخلها ويبدأ فى الانسحاب التدريجى من تحمُّل نفقات الأسرة، لافتة إلى أن ما وُجد لمصلحة سينتهى بانتهاء المصلحة بشكل مؤكد.

وأكدت «عباس» أن الاحترام المتبادل الذى يُعد أهم أبجديات الزواج تلاشى بين الطرفين، وفى حالات كثيرة يكون الزوج هو المخطئ لكن تأخذه العزة بالإثم، لافتة إلى أن انتشار مواقع التواصل الاجتماعى ووجود عالم موازٍ وافتراضى أتاح تكوين علاقات ربما تخرج عن الإطار الطبيعى المسموح به، وهنا تبدأ مشكلات من نوعية الخيانة الزوجية وغيرها، فضلاً عن الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها المجتمع المصرى، والتباين الشديد بين التطلعات والإمكانات المادية.

وقالت إن الطلاق ربما يكون المصيبة التى تمنع مصائب، ففى كثير من الأحيان تصل المشكلات الأسرية إلى القتل، وهنا يكون الطلاق أفضل، مشيرة إلى أن الطلاق يكون فى مصلحة الطفل فى بعض الأحيان، لابتعاده عن المشكلات اليومية للأبوين، والمشادات الكلامية التى قد تصل إلى الشتائم، لكن الغالبية العظمى منهم يكونون عرضة للتضرر لغياب أحد الوالدين، خاصة لو كان الأم. وقال الدكتور علاء رجب، استشارى الصحة النفسية، إن الزواج فى سن مبكرة، وتلهُّف الأسرة واستعجالها على تزويج أبنائها يدفعهم للتغاضى عن عيوب ربما تكون فى بعض الأحيان جوهرية، وتؤدى فى نهاية المطاف إلى فصل العلاقة الزوجية، مُضيفاً أن عدم التكافؤ فى المعايير، سواء الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، فضلاً عن عامل الفرق فى السن بين الزوجين وعدم وجود مساحة كافية للحوار قبل الزواج فى مرحلة تُعرف بـ«الأقنعة المزيفة» ينتج عنها الطلاق كنتيجة حتمية. وأشار «رجب» إلى أن «استناد المرأة للعمل يمنحها قوة تجعلها تقف على كل صغيرة وكبيرة للزوج، لشعورها بالاستقلال المادى والقدرة على تدبير احتياجاتها المعيشية»، لافتاً إلى أن «أبرز الأسباب التى طرأت مؤخراً أن العلاقة الجنسية لا تتم بالقدر الكافى، وهذا الأمر كفيل بإنهاء الحياة الزوجية ونسفها من الأساس».

من جانبه، قال الدكتور محمد هانى، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، إن نسبة الطلاق أصبحت مرعبة تهدد أمن المجتمع بغضّ النظر عن أسبابه، وتحولت من مشكلة عادية منتشرة فى أى مجتمع لكابوس يؤرق المتابع، لتناميها فى مصر بهذا الشكل. وأضاف «هانى»، لـ«الوطن»، أن عدد المطلقات فى مصر وصل 4.5 مليون، بواقع حالة طلاق كل دقيقتين ونصف. وتابع: «لدينا 14 مليون عانس وعانسة فى مصر، والسائد لدينا هو الزواج التقليدى الذى لا يكون مبنياً على سابق معرفة أو توافق فكرى بين الشخصين»، مشيراً إلى أن أبرز أسباب الطلاق التى مرت به كانت بسبب تراجع القوة النفسية للزوجين، وأنهما لا يستوعبان المشاكل أو يتخطيانها ليكملا حياتهما بشكل عادى: «الخلافات أصبحت كبيرة، والمسائل البسيطة أصبحت معقدة بينهما، وعلاقتهما افتقدت للاحترام».

وأكد أن الزوجين يصلان فى مرحلة من مراحل الخلاف إلى أن يفكر كل واحد منهما بطريقته الخاصة، ويتمسك برأيه، وهو ما يسمى التباعد أو التنافر الفكرى، حتى إنهما لا يحسنان اختيار الوقت المناسب للحديث حول أمورهما الخاصة، مُحذراً من دخول أطراف أخرى فى هذا النزاع مثل الأسرة والأصدقاء: «كل واحد بيحكم من منظوره، ويمكن أن تختلف وجهات النظر، فهناك فروق فردية وتجارب مختلفة، ومن هنا يحدث التشتت»، وأشار إلى أنه على الزوجين أن يتبعا أساليب الحياة الزوجية التى أوصى بها الدين والأعراف من المودة والرحمة والاحتواء، وأن يخصص كل طرف من الزوجين وقتاً يستمع فيه للآخر، وأن يكونا مصدر سعادة لبعضهما.

وقال الدكتور أحمد عبدالله، أخصائى الطب النفسى، إن الضغوط الموجودة على الأفراد والأسرة من الناحية الاجتماعية تستوجب حضوراً قوياً من الدولة لتلافى أخطار ما بعد تفكك الأسرة الذى سيتبعه بالضرورة تفكك فى المجتمع. وأضاف «عبدالله»، لـ«الوطن»، أن غياب مفهوم الأسرة الممتدة من العم أو الخال أو الجد الذى كان سائداً فى وقت سابق يصعّب الأمر أكثر. وأكد أن الأطفال الذين تتعرض أسرهم للتفكك عادة ما يلجأون للشارع للتعلم منه، ويصبحون معلقين فى الهواء بلا بوصلة للمستقبل، أو راعٍ يهتم بشئون حياتهم ومتطلبات مراحلهم العمرية. مشدداً على أن التركة أو الحمل يكون ثقيلاً على الطرف الذى سيتحمل مسئوليتهم وحده: «حتى لو تزوج الأب فإن زوجته لن تهتم بأولاده كأبنائها، وستزداد المشاكل والاضطرابات داخل الأسرة».

وقال الدكتور كريم درويش، أخصائى الطب النفسى، إن العيب نفسه لا يقتصر على فكرة الطلاق، بل يتعلق بما قبلها وما بعدها، ففى البداية تدب الخلافات ولا يستطيع الطرفان إدارتها، ما يؤدى للانفصال بشكل غير ناضج يجعل الرجوع عنه أو التفاهم فيما بعد لتربية الأبناء أمراً بالغ الصعوبة. وأضاف «درويش»، لـ«الوطن»: «الطيار الشاطر لازم لما يضطر للهبوط مايخليش الركاب يشعروا بالمخاطر»، لافتاً إلى أن شعور الأولاد بالمشاكل ينعكس عليهم بصورة كبيرة، سواء قلقهم من المستقبل، أو تشتتهم بين الأب والأم، وهنا تبدأ الاضطرابات، فيبدأ الطفل فى التعامل بحذر مع المجتمع ويصبح عديم الثقة فى الآخرين لأنه رأى بنفسه كيف فرط فيه أحد والديه. وأشار إلى أن أبرز المخاطر التى يتعرض لها الأولاد والمجتمع بالتبعية انقسام وتخبط، وانطواء، ويزيد خوفهم من العلاقات، فيبدأ الطفل فى البحث عن أب بديل أو أم بديلة، وربما تلقيهم الحياة بطريق المجرمين والمدمنين وهنا تقع الكارثة.