كتب: روان مسعد -
11:30 م | السبت 25 نوفمبر 2023
على بقعة صغيرة من الأرض، تعيش المرأة واحدة من أشد الظروف قساوة وعنفا، ولكنها رغم ذلك تقف في وجه الريح كنخلة في براري قاحلة، تنتعش وتنتج ثمارها، وتقاوم رغم قلة الماء والبيئة العنيفة، تحديدا في قطاع غزة، فقد حدثت أمس مفارقة غريبة قبل عدة ساعات من اليوم العالمي لمناهضة أشكال العنف ضد المرأة، خرجت الأسيرات من سجون الاحتلال الإسرائيلي لتوثقن وتأكدن على أن السيدات والفتيات الفئة الأكثر تضررا بسبب الحرب المستمرة على غزة منذ 52 يوما، سواء في السجن، أو خارجه على الأرض التي أصبحت ساحة حرب.
معظم الصور والفيديوهات التي انتشرت من القطاع كانت لـ نساء غزة، مرتحلات، أو ثكالى يبكين بلدهن، والأبناء والزوج، فالأطفال كانوا أكثر من تضرر خلال الحرب على غزة، وعدوان المحتل الإسرائيلي.
واحد من أكثر المشاهد الذي أظهر قوة تحمل المرأة، وكيف تمكنت سيدة من الارتحال من شمال قطاع غزة إلى جنوبها، بسبب القصف العنيف المتكرر على تلك المنطقة، ولم تكن الأم قليلة الحيلة في ظل عدم وجود وسيلة مواصلات سواء سيارة أو عربة تجرها الخيول، لم تترك أبنائها، وارتحلت معهم في مشهد أصاب قلوب الجميع، فكان كل من الأطفال هانئ على كرسيه، وتجر الأم كلا الطفلين مع أمتعتها، حاملة وحدها عبء السفر والعنف الكبير الذي وقع عليها.
هذا المطقع المصور جاب العالم، فقد ظلت الأم تبحث في الأسرة عن ابنها، تكرر أوصافه «ابني شوفتيه؟.. يوسف شعره كيرلي أبيضاني وحلو»، ظلت هكذا تبحث دون جدوى، ومعها زوجها حتى وجدوا جثة الطفل، وتحول يوسف إلى أيقونة سواء لأسرته أو قطاع غزة كله، فمشهد الأم حينما وجدت جثة الطفل وانهيارها أمام الكاميرات، كان رسالة قوية، ومقاومة استثنائية.
من جديد تحرم المرأة ممن عاشت عمرها كله لأجلهم، ورغم ظهور بنتها معها في الفيديو، إلا أنها ظلت تصرخ في العالم، «ماتوا الولاد قبل ما ياكلوا»، يا عالم ماتوا الولاد، لتسجل مشهد مؤلم للعنف الذي تعرضت له المرأة فقد سلب منها حتى الأطفال، فلا شيء يمكن أن يطفئ أنثى مثل حرمانها من أولادها، فلم يصرخن على طعام أو شراب وإنما الأطفال.
لم يكن موت الأطفال هو ما تتعرض له النساء من عنف فقط، وإنما الحرمان من أساسيات الحياة أيضا، مثل اختفاء الفوط الصحية، حيث تقضين وقتهن الشهري في مأساة ومشكلة واختفاء كافة أشكال النظافة والحماية، فضلا عن اختفاء حفاضات الأطفال، ما يعرضهن أيضا للالتهابات والأمراض، ويحاولن بطرق قديمة السيطرة على الوضع.
حرمت نساء غزة أيضا من الطهي، فلم يعد الطعام متوفرا، أو الدقيق، بل يذهب الأطفال لبعض المؤسسات الدولية لأخذ ما تبقي من طعام للأسرة، وهو ما أعاد النساء للبدائية، وعدن للخبز على الصفائح، وباستخدام الحطب لإشعال النيران نظرا لقلة البترول في القطاع.