رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

«هدى» عاشت 26 عاما تكافح وتحارب السرطان بعد وفاة زوجها: ابني كافئني بدخوله الطب

كتب: سمر صالح -

03:50 ص | الثلاثاء 21 مارس 2023

هدى وابنها بملابس تخرجه في كلية الطب

ظنت أنها النهاية، ولكن من عمق المعاناة يولد الأمل، قبل أن تكمل «هدى» عامها الخامس والعشرين، كانت بدايتها مع رحلة الحياة بما فيها من صعوبات ومسؤوليات تفوق طاقة من في مثل عمرها، تفرغت لرعاية رضيعها وكأن العالم يخلو من البشر إلا سواه، أفنت عليه شبابها بعد وفاة زوجها، عرفا معًا طريق الأمل وبات كل عسير يسيرًا في عينيها كلما تقدم خطوة في طريقه.

مبكرا وقبل أن ترى من الحياة نعيمها، دفعت الحياة بـ«هدى جاويش» إلى أقصى درجات الألم حين فقدت زوجها فجأة بعد عام واحد فقط من زواجهما وترك لها رضيعا في عمر الشهرين، تحملت المسؤولية بمفردها ليس لديها أب يدعمها ولا أخ يشدد من أزرها فما كان منها إلا أن اختارت البقاء في منزل عائلة زوجها:  «عيشت في بيت عيلة زوجي واستحملت كل التعب عشان أحافظ على حق إبني وأقدر أربيه»، تقول الأم الأربعينية في بداية حديثها لـ«الوطن» عن رحلة كفاحها مع ابنها الوحيد «عمر».

119 جنيها معاش شهري

«119 جنيه» فقط، هو المعاش الشهري الذي كانت تتقاضاه «هدى» بعد رحيل زوجها، كانت تدخره كاملا لرضيعها الصغير لتأمين مستقبله وتدبر أمورها هي طول الشهر بمصروف قليل لا يتجاوز الخمسين جنيها تحصل عليه من والدة زوجها، وفقا لها: «كنت بحرم نفسي من كل حاجة عشان أوفر لابني حياة أفضل» لم تستمتع بشبابها كما تفعل الفتيات في مثل عمرها، «فضلت لابسة إسود 18 سنة بعد وفاة جوزي عشان أوفر تمن الهدوم، الناس لما تشوفني بنفس اللون مش هياخدوا بالهم إن الطقم الوحيد اللي عندي مش بغيره».

مرّ العمر سريعا، رغم مرارة الليالي التي جلست فيها أمام نافذة غرفتها تتطلع إلى السماء وتشكو ما بها إلى الله بدموع منهمرة، الرضيع عمر صار في المرحلة الإبتدائية ومن ثم الإعدادية وصولا إلى الثانوية العامة، زادت المسؤولية المادية عليها إلا أنها اعتادت كيف تدبر أمورها بأقل ما تملك، تحرم نفسها من متع الدنيا من أجل ابنها الوحيد، تنسى تعب الليالي كلما اجتاز«عمر» مرحلة دراسية بتفوق كبير: «كل ما كان يجيب مجموع كبير أحس بفرحة تعبي اللي مراحش وأقدر أكمل معاه المشوار واستحمل».

التحاق الابن بكلية الطب ومرض الأم بالسرطان

«طالب في كلية طب القصر العيني» كلمات تكررها الأم في كل مجلس تفاخرًا بما حققته من نجاح مع ابنها الوحيد، ترى فيه حصاد سنوات التعب التي مرت، إلا أن القدر لم يتكرها تتنفس الفرح كثيرا، وفي عام 2017 اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي وبدأت معه محطة جديدة من محطات المعاناة التي مرّ عليها قطار الأم.

8 أشهر كاملة، قضتهم «هدى» في تلقي جرعات الكيماوي لمقاومة المرض الخبيث الذي داهم جسدها المُتعب، قاومته قدر استطاعتها كما قاومت أزمات كثيرة من قبل، وفقا لها: «ابني وقتها كان في الكلية اتفرغ السنة دي عشان يراعيني ويقعد جنبي»، حتى أنه بادر بحلاقة رأسه كي يؤازرها: «شعري وقع تماما وعمر كان أكبر داعم نفسي ليا حتى تجاوزا معًا تلك المرحلة».

حفل التخرج في كلية الطب

بجانب دراسته الجامعية، أصر «عمر» على العمل لمساعدة والدته في مصاريف الكلية ومصاريف العلاج الهرموني الذي تداوم عليه الآن للتعافي من السرطان، حتى مرت سنوات الدراسة وجاء يوم التخرج: «الفرحة مكانتش سيعاني وأنا شايفة ابني بيتخرج وقتها بس حسيت إني نجحت في التجربة الصعبة».

بوجه رسم خطوطه الزمن، وبصوت فخور كانت تتحدث الأم هدى، لـ«الوطن»، من داخل منزلها الكائن بمنطقة المنيل بمحافظة القاهرة، وفي يدها صور تخرج ابنها عمر من كلية الطب بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، تسرد سنوات من الكفاح بنبرة صوت تعبر عن سيدة حرمها القدر من الاستمتاع بشبابها، لخصت شعورها يوم حفل التخرج بكلمات قليلة، وفقا لها: «أنا الأم اللي بنت عمارة 100 دور وكل شقة ليها حكاية، كل أوضة ليها قصة كبيرة، النهاردة قفلت باب العمارة بتاعتي وسلمت مفتاحها لابني».