رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

ناب فيل وبيانو الخديوي إسماعيل وتمثال ملكة هولندا.. أهلا بك في منزل القبطان علاء وحرمه منى

كتب: سلوى الزغبي -

02:28 م | الجمعة 27 يناير 2023

منى العوادلي وسط الأنتيكات

حيث يميل القلب ترى العين، تناغم كلاسيكي في عشق التحف والحضارات وتذوق الفن جمع بين «علاء ومنى»، فمن الطرقة الأولى تدخل إلى التاريخ، من باب كان يُباع كـ«كراكيب» من قصر يعود لعصر أبناء محمد علي، ومع الدخول إلى الشقة تتسع الأعين على صراع حضارات في منزل يحمل روح أصحابه، فرفضت سيدته أن تكن مثل الفتيات اللائي يبحثن عن «الموضة»، لأنها تغوى الأنتيكة حتى أنها جمعت «طقم الصيني» بالقطعة من محلات التحف القديمة من خارج مصر، والزوج الذي يبحث عن كل ما هو قديم فدخل إلى منزله ومعه ناب فيل بحجمه الحقيقي من أدغال أفريقيا.

 

شقة تحتوي على العديد من المقتنيات الثمينة والتحف الفنية، أفنى القبطان علاء جمال وزوجته منى العوادلي عمرًا في جمعهما، فوجدا ضالتهما في حب كل ما هو قديم وحققا الحلم في شقتهما التي لا يدخلها غير كل ما هو متعوب فيه ومصنوع بالأيدي ويتعجب له الرائي، فلا موضع لأقدام كثيرة ولكن يحضر الفن ومحبيه فقط.

جهاز منى.. الصيني «هاند ميد» متجمع بالقطعة والشوك والسكاكين تحف مطلية

في الصالة الأولى لا مكان لـ«النيش التقليدي»، فمستلزماته جمّعتها «منى» قطعة قطعة أطباقا و«صيني» من محلات تحف قديمة «الطقم الصيني كل طبق لوحده معمول هاند ميد مرسوم ومدوّن تاريخه في الخلفية، الشوك والسكاكين كلها قديمة فيها مطلي مياه دهب ومطلي فضا»، فليس جهاز عروسة تقليدي لكنها سارت وراء شغفها الذي شجعها عليه والدها، الذي كان يعشق الرسم والتحف فنشأت على عبارته «متبصيش للجديد بصي للقديم»، حتى لو حنفية قديمة، يخبرها بأنها «مش هتبوظ» لأنها مصنوعة في زمن معين فيسرد لها تاريخ الصناعة فيه، لتراه يشتري بيانو الخديوي إسماعيل، ممهور بتوقعيه، وقتما كان يُباع في مزاد عام 1954، فكبرت الصغيرة على عشق الفن وكل ما هو قديم، وعلى اصطحاب أبيها لها في جولاته الخارجية لتجارته، ويتجول معها بين محال التحف القديمة فتجمع «الطقم الصنيي» الخاص بها من تلك المحال بألمانيا، بعيدًا عن والدتها، التي تبحث لابنتها عن «الموضة الحديثة» كأي أم.

علاء: بيتي يضم مقتنيات من أسواق قديمة في 58 دولة.. فلم يكن مُحرّم اقتناء تلك الأشياء في الثمانينيات

عندما تجلس لتحتسي من الفنجان الفريد تجاورك الحضارات، فلا ينضب حديثك عن التاريخ بينما تشاهد تماثيل فنية من الهند مصنوعة بأيدي مهرة، تعلوها اللوحات الفنية التي تغطي الحوائط كاملة، وفي المفترق بين الصالونين ترحب أنياب الأفيال بالحضور، التي عشقها القبطان علاء الذي طاف العالم منذ التحاقه بذلك العمل عام 1982 فسافر إلى نحو 58 دولة، له من كل واحدة ذكرى يحويها البيت فهو يُعرِّف نفسه بأنه «غاوي قديم»، لا تبهره الأضواء الحديثه، فيتجه في كل بلد يقف على شاطئها إلى الأسواق القديمة، وأحضر «أنياب فيلة» في الثمانينيات، حينما كان يذهب إلى أفريقيا «مكانش محظور، كان فيه العاج مكنتش أعرفه، عجبني وروحت جنوب أفريقيا والكاميرون لاقتهم عارضينهم عجبوني وعجبتني الفكرة وبعد كدة استهوتني»، فلم يكن مُحرّم اقتناء تلك الأشياء قديمًا، حتى أنه قبل الزواج أحضر جزع شجرة كاملًا مصنوعا «هاند ميد» لا تدخله الآلات إطلاقًا، والجزع كله ممهور بإمضاء عام صنعه.

السفرة تقليد لواحدة في متحف باريس وصنعها دمياطي في عامين

لم يبالِ «علاء ومنى» في بداية زواجهما بالتعليقات حول عدم إحضارهما لسفرة، والتي لحقت بشقتهم بعد عامين من الزواج، وهي المدة التي استغرقتها في الصنع، فهي سفرة تسمى بـ«حدائق باريس» موجود مثلها في متحف معين بفرنسا ووجدا شخصا واحدا يصنعها في دمياط فذهبا إليه «نقيناها وكلها تركيب (عاشق ومعشوق) مفيهاش مسمار، أما جاتلنا تماثيل خشب بالأرقام وتتركب كأنها مكعبات أو بازل، كان ساعتها السفرة والنيش لهما مواصفات، كل حاجتنا اختارناها على النهج ده، الناس اتريقت علينا لأنها قعدت سنتين بتتعمل، تمنها وقتها 22 ألف جنيه كان تمن عربية مرسيدس زيرو».

يسبق حجرة السفرة المميزة، الصالون الثاني الذي يتوسطه منضدة مزدحمة بالأحجار الكريمة وبيضة نعام حقيقة، وتمثال ملكة هولندا وهي صغيرة، والذي كان مصنوعا احتفالا بتوليها الحكم في عمر الـ16 عام 1954 فصنعوا لها تمثالًا تذكاريًا، وأعمالا أخرى مصنوعة من الخشب الخاص ببالي، والنحاس، ممزوجين مع حائط في الجانب مليء بلوحات جميعها لرواد الفن التشكيلي مثل محمود سعيد وتحية حليم، سمير رافع، باسم الجبيلي من الرواد السوريين، سيف وأدهم والي، ومن بينهم لوحة تعود إلى عام 1930 للفنان التشكيلي راغب عياد، كانت مُعلَقة في غرفة الطعام في فندق شيبرد، وتحكي «منى» عن تاريخ اللوحة بأنها هي ما تبقت في غرفة الطعام عند حريق الفندق عام 1952.

مطبخ «علاء ومنى» مزدحم بالساعات القديمة وديكور الثلاجة «فانوس مركب قديم»

وبين الغرف لا يأسرك الطعام للدخول إلى المطبخ ولكن سحر الماضي يقودك إليه، فلا تخلو حوائطه من ساعات عتيقة وراديو زمان، وفانوس مركب قديم مغلق يعلو الثلاجة، ولوحات تأخذ العين، فإذا خرجت منه تقرأ في نسخة قديمة للقرآن الكريم والتي كانت موجودة دون ترقيم ومكتوبة بخط اليد، وتوضع علامة فقط كفاصل بين الآيات دون أرقام، ويجاوره «رف» لساعات كانت تتهادى في الأفراح مثل فرح الملك فاروق، وفرح شاه إيران والأميرة فوزية، مزيّن بشغل الأرابيسك القديم، ومنه إلى غرفة اللوحات التي تجد فيها «منى» راحتها فتعتبرها صومعتها المليئة باللوحات حتى أن «برواز فرحها» لا مكان له فتركنه أرضًا مستندًا إلى الحائط: «أكتر مكان برتاح فيه، وفيه مكتبتي بكتب حاجات، مجلات قديمة عن الفن والكتب، أوضة غير مرتبة كباقي المنزل، أقرأ حاجة اتكتبت عني أو حدث حضرته، أغلب الحاجات مدوناها، وكتالوجات المعارض الكبيرة، تماثيل بعضها يعود للثلاثينيات». وينتهي الممر عند غرفة أفريقية من الطراز الأول، تخطفك عين الثعالب على أظهر كراسيها وتفاصيلها التي تشعرك بالدخول إلى أدغال أفريقيا.

ترك القبطان علاء عالم البحر متجهًا إلى المقاولات، لكن ولعه بكل قديم لم يهدأ «حتى الآن لو حاجة عجبتني هاجبها بس للأسف مبقاش فيه حاجات زي الأول، ممكن طول السنة حاجة واحدة تعجبني، اللي يشدني وحاجة روحانية قربتني منها خلاص أجيبها، في حاجات مهما كانت حلوة متشدنيش، أما بقعد وسط الحاجات دي بحس إن الحمدلله ربنا كرمني بكل حاجة».

فذلك منتهى أحلامه الذي كان يخشى الاعتراف به أمام «منى» وقت الخطوبة لعلها ترفض حتى فاجأته بعشقها للماضي بتفاصليه فأغرقها ومنزلها بأنتيكات من الأسواق القديمة حول العالم «منساش ألمانيا كان فيها حاجات حلوة جدا من الحرب، وهولندا كان فيها تحف وإنجلترا مليانة، وآسيا تماثيل وهاند ميد وشغل مخصوص منفذ، الدول الشيوعية كانت رخيصة جدا بالنسبالهم لو اشتريت حاجة سبق، قبل التسعينيات كنا نفرح نروح دولة شيوعية أكني مليونير هناك كل حاجة رخيصة جدا تكاد تكون ببلاش، كل البلاد حلوة، لكني بعشق بلدي.. كبيري دلوقتي أما أسافر 15 يوما وأرجع، عندنا في قبرص بيت أخري فيه أسبوعين، وبعد اللف ده كله بلدنا أحلى بلد في الدنيا».

لم يفكر «علاء ومنى» في إحصاء النوادر التي يحويها منزلهما رغم الاقتراحات بأن يوثوقا تلك المقتنيات في كتاب إلا أنه لم يحبا الأمر «منعرفش إيه أحلى من إيه.. كله غالي على قلبنا»، فأغلب الأنتيكات أحضرها الزوج وشاركت الزوجة باللوحات، فهو يجلب وتتولى هي التنظيف والتنظيم، ولم يرث عشق الأنتيكات منهما غير ابنهما محمد، ورغم ذلك لم تعانِ «منى» مع أولادها وأحفادها في السير داخل ممرات التاريخ «علمت ولادي وأحفادي يحبوا كده، أما أدخل بيت ألاقيه فاضي بحس إني مضايقة، مش شرط حاجات غالية بس بتمليه بذوقك، لكن مدخلش أحس أنه كله زي بعضه فازة ووردة، لازم يكون شخصية أهل البيت فيه» فمنزلها هو الأثر الحلو الذي يرضيها ويسعدها.