رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

«حب على عربية كارو».. «أبو داوود» وزوجته بيشيلوا أنابيب من 30 سنة: دراعي اليمين

كتب: سمر صالح -

09:34 ص | الخميس 04 نوفمبر 2021

أو داوود وزوجته صفية

ملامح من زمن جميل، وابتسامة تكشف عن أسنان متساقطة من العجز، ملأ الشيب رأسهما وارتسمت خطوط الوهن العريضة على وجهيهما، يقتسمان ساعات اليوم في مهنة شاقة غير مكترثين بآلام العظام التي التي تباغتهما في جوف الليل وبكرة الصباح، تثاقلت خطواتهما من أثر الزمن، منزلهما بات مقصدًا للأهالي الباحثين عن أسطوانات الغاز يهتدون إليه من أصحاب المقاهي والمحال المتراصة على جانبي الطريق يستقبلان زبائنهما بابتسامة معهودة لا تغيب رغم مشقة اليوم، يحبون الحياة ما استطاعوا إليها سبيلًا.

قبل أكثر من ثلاثين عاما، اختار المسن السبعيني محمد إبراهيم داوود العمل في مهنة بيع أنابيب البوتجاز، مجبرا على ذلك لتوفير نفقات المعيشة، ارتضى بها وتعايش مع مصاعبها التي تركت أثارها على مفاصل جسده، وبينما كان يصارع مخاوف المستقبل، كان القدر ينسج له خيوطا من نور تكسر ظلام وحدته، التقى بشريكة حياته و«دراعه اليمين» كما يُلقبها، اقتسمت معه مصاعب المهنة، مُسيَّرة وليست مُخيرة، أجبرتها ظروفها الصعبة إلى التخلي عن أنوثتها ومساعدة زوجها في عمله لملء بطون أبنائهما، هكذا تحدث العجوزان مع «الوطن» عن قصة كفاحهما من داخل منزلهما الكائن في منطقة البدرشين بمحافظة الجيزة.

يوم أبو داوود وزوجته يبدأ من الفجر لملء الأنابيب

مبكرا وقبل أن تشق أشعة الشمس ظلام الفجر، يبدأ يوم المسن الشهير بـ«أبو داوود» وزوجته العجوز «صفية فاروق»، يتولى هو إطعام الحصان الذي بات رفيق رحلتهما منذ مطلع الثمانينات، يحملان على عربة «كارو»- يجرها الحصان- أسطوانات الأنابيب الفارغة في طريقهما إلى مستودع الغاز القريب من بيتهما، يبدو العجوز مستقرا على متن حصانه يمسك بزمامه فينقاد له ويتهادى به، يسير به الحصان سيرا رقيقا في البداية ثم يجري ويتوسع في جريه بجواره زوجته، لا يتحرك من دونها، يجول بين شوارع المنطقة التي حفظها وألف عثرات الطريق بها.

 

صفية الذراع اليمين لزوجها أبو داوود

اعتاد الأهالي منظر العجوز «صفية» وهي «تلفح» الأنابيب على ظهرها لتضعها على «الكارو» فيتجلى خاتمها الفضي الذي يلمع في إصبعها وسط تشققات وجروح يدل على سيدة لم تعش أجمل سنوات عمرها، تهم بالصعود على الكارو، بجوارها زوجها وشريك عمرها فيكشف الجلباب بنطال ذكوري ارتدته لتتحرك بحرية في عالم ذكوري، لغته الوحيدة هو «القوة»، يطرق العجوزان بمفتاح إنجليزي معدني على الأنابيب فيستيقظ من صداه النائمون في منازلهم، لم تجد في ذلك حرجًا «بساعد جوزي على المعايش هو مش هيقدر يشيل الحمل لوحده»، علاقة حبيبين كحبل المراكب، غليظ يُظهر الشد مدى متانته.

مرض أبو داوود وزوجته تتولى توصيل الأنابيب إلى المنازل

وَهن المسن السبعيني، رغم اعتياده حمل الأوزان الثقيلة، أمام مشقة المهنة، لم يقدر على حمل الأنبوبة بمفرده، فما كان منه إلا أن ترك تلك المهمة إلى زوجته، «ضهري تعب وهي اللي بقت تشيل الأنابيب لحد البيوت، انتقص «أبو داوود» من حكايتهما الكثير ما زال في خزانة ذكرياته تفاصيل، جلس بجوار رفيقة عمره في تركيز شديد ينظر إلى حال الحصان الذي يستقر بالساعات في مدخل البيت بعد أن ضاق عليهما الرزق «أنا شغال في الأنابيب من أيام ما كانت ب2 جنيه ونص وطول عمرها هي سندي ودراعي اليمين، لكن دلوقتي الغاز دخل أغلب البيوت والبيع قل عن زمان» إلا أن الكارو والحصان لا يزالان علامة مميزة في مدخل البيت: «مكملين في المهنة ملناش غيرها».

يحلمان بافتتاح مشروع صغير بدلا من حمل الأنابيب

صخب على مدار اليوم من طلعة النهار لا يهدأ إلا في الساعات المتأخرة من الليل، يستلقي العجوز على كتف رفيقة رحلته ليستريح من عناء يوم شاق، أيام طوال تمر دون أن يجد «أبو داوود» زبائن لأنابيب البوتوجاز، كثيرا ما تخلو الشوارع ممن ينادي عليهم من نوافذ المنازل، تنهدت العجوز «صفية» نفسًا ممدودًا بِعمقٍ، تستجمع الكلمات لتناشد أحد المسؤولين بمساعدتها وزوجها «بقى عندي الغضروف ولسه مضطرة أشيل الأنابيب عشان نعيش، نفسي في مشروع أو كشك بسيط نعيش منه» يسابقان عقارب الساعة لتحصيل قوت يومهما وتحصيل ديون متراكمة عليهما.