كتب: أحمد الأمير -
10:20 م | الثلاثاء 05 أكتوبر 2021
تفترش الأرض مرتدية ملابس مهندمة وتقتني كتبًا وروايات تقرأها من وراء نظارة تتوسط وجهها، ذلك المشهد لـ«سيدة» أثار دهشة سكان منطقة التعاون بالهرم في محافظة الجيزة، فلا يبدو عليها آثار التشرد أو الهلوسة، وفي نفس الوقت ليس لها مأوى، وتحدث مخاطبيها بالإنجليزية كاللغة العربية تماما.
السيدة التي تدعى «جيجي»، أتت إلى المنطقة منذ عدة أيام في المساء، حسبما أكد إيهاب عاشور، أحد سكان شارع الشبراوي بالهرم، مبينًا أنها جلست وحيدة أسفل العقار الذي يسكن فيه لساعات طويلة، ولم يقترب منها أحد من سكان المنطقة أو يحاول معرفة سبب وجودها كل هذا الوقت، وفي يدها «كيس بلاستيكي» يبدو أنها تضع فيه ملابسها وبعض أغراضها الشخصية وعدد من الكتب والروايات والقليل من أكياس المطاعم الفاخرة والمعروفة، وكأنها لا تأكل طعامها إلا منهم.
يكشف إيهاب خلال حديثه لـ«الوطن» معاناة السيدة: «عدت إلى منزلي في مساء أحد الأيام، بعد انتهائي من العمل، وكان الوقت متأخرًا، وجدتها تجلس في هذا المكان وحيدة ومرهقة يغلب عليها النوم بشكل كبير، تحدثت معها وعلمت منها أنها من سكان محافظة القاهرة وليس لها مأوى، ولا مكان لتقضي ساعات نومها فيه».
يكمل حديثه: «صعدت إلى شقتي في الطابق الرابع وكان الطقس بارد نوعًا ما لأجلب لها فرشًا وغطاء حتى تنام، وقضت الليلة نائمة أسفل العقار، وفي اليوم التالي استيقظت الساعة الواحدة ظهرًا ووجدت السيدة في مكانها وبجوارها بعض الأشخاص يعرضون عليها المساعدة والطعام، لكنها كانت ترفضه بشدة، وتحدثت إليهم بكلمات قليلة مثل خلي الورث ينفعهم، لا مال ولا حاجة هتغنيني، فأدركت لحظتها أن شيئا ما وراء هذه السيدة».
في هذا اليوم، عاد «إيهاب» من العمل وقرر أن يسأل تلك السيدة، ما الذي حلّ بها، فأخبرته أنها تبلغ من العمر 42 عامًا، واسمها «جيجي»، ولا تتذكر أغلب تفاصيل حياتها السابقة سوى أنها حُرمت من الميراث، والغريب في الأمر أنها تتحدث الإنجليزية بطلاقة وتقضي أوقاتًا وهي تقرأ روايات وكتب كانت تحملها منذ رآها أول مرة، غير أن بعض الجيران أخبروه بأنها تتحدث أكثر من لغة، حسبما أكد في حديثه لـ«الوطن».
أثناء حديث «إيهاب» معها، كانت تمسك بورقة وقلم وتكتب باللغة الإنجليزية، وفي الوقت نفسه ترد على أسئلته بحرص وطريقة مختصرة، وكأنها منشغلة في عمل هام، وعلى الأغلب كانت تقضي أيامها في مكان آخر، مُبديا ملاحظتها بأنها ترفض أغلب الطعام المقدم لها كمساعدة من الأهالي وترفض المساعدة المادية «مش عايزة فلوس أنا مش شحاتة».
«ورثكم كله مش هيخليني أقعد في دكان مش في شقة»، يقول «إيهاب» إن هذه هي آخر الكلمات التي قالتها بصوت عالٍ أمام المارّة في الشارع، بينما رفضت عرضا من الأهالي لتقطن في إحدى الغرف التي يمتلكها، ولازالت تفترش الشارع.