10:25 ص | الثلاثاء 24 أغسطس 2021
في تمام الخامسة والنصف صباحا، تخرج السيدة العجوز من منزلها المتواضع ببطء، لتلمس أشعة شمس وجهها الهزيل، معلنة بدء يوم عمل جديد، حيث تُلقي نظرة سريعة على السيارات الموجودة أمام منزلها، ثم تحضر «القماشات المبللة»، لتنظيف تلك السيارات، فعملها «سايس الجراج»، غير عابئة بكبر سنها أو حالتها الصحية.
تمتلك آمال إبراهيم، صاحبة الـ62 عاما، جسد نحيل و«عرجة» في القدم، تجعل المهنة الشاقة لا تليق بمن هن فى مثل عمرها، لكن البحث عن لقمة العيش أجبرها على العمل بـ«مهنة الرجال»، وتحمُل صعوبة عمل «السايس»، لتصبح أحد أشهر سكان منطقة حدائق القبة، حيث تعيش مع أسرتها.
قبل 6 سنوات، بدأت «الحاجة آمال» العمل «سايس جراج» في الساحة المواجهة لمنزلها، تعول ابنتها المُطلقة المريضة بالسرطان، وعمرها 34 عاما، وحفيدتيها «روح وحياة»، وابنها «سامح» 37 عاما، الذي أصيب بحروق في صدره ويده وظهره تمنعه عن العمل، تذوق الشقاء منذ الصباح الباكر لتعود في نهاية اليوم بنحو 80 جنيها، توفر بها احتياجات منزلها وأبنائها وأحفادها من طعام وشراب.
14 ساعة هى مدة عمل السيدة الستينية، منذ السادسة صباحا وحتى الثامنة ليلًا في ساحة الجراج، مرتدية قميص يصعب معرفة لونه، تعامل خلالها الزبائن بأسلوبها الخاص الذي أسمته «كله بالحب»، ويساعدها على ذلك طلاقة لسانها الطيب مع الجميع على حد قولها لـ«الوطن»: «الجيران بيساعدوني برضه وبيعطفوا عليا عشان عارفين ظروفي، وماشية الحمدلله».
ورثت آمال المنزل الذي تعيش فيه عن والدها، وهو مكون من غرفتين وحمام متواضع، دون مطبخ أو غرفة إضافية، يعيش فيه أفراد الأسرة الـ5، سقفه من الخشب والقش، وبابه بالكاد يغلق عليهم: «الستر والرضا بيدفينا، وعايشين اليوم بيومه مبفكرش في بكرا لأنه بتاع ربنا».
تحاول «آمال» دائما أن تبدو نشيطة، لا تنظر إلا سنها: «مبحسسش نفسي كبيرة على الشقا عشان أقوم واصحى واشتغل من غير زعل وكأني زي العيال الصغيرة»، لكن مرض السكر لم يرحم ضعفها وهرمها، وأخذ يأكل في جسدها حتى نحله بشكل واضح، ونال من قدمها اليسرى: «السكر بياكل في جسمي من 20 سنة، وبدأ ينخر في عضم رجلي لأني أهملت في العلاج، بس معذورة والله مكانش معايا فلوس».
أصعب ما تتعرض له السيدة في عملها كـ«سايس جراج»، الكلام الجارح من بعض أصحاب السيارات الذين يستغلون فقرها وحاجتها، ويقذفوها بكلمات تنال من مشاعرها: «ساعات بتعامل بطريقة وحشة عشان شغالة سايس وبتصعب عليا نفسي، لكن بستحمل عشان أخش في جيبي كام جنيه جايبه بيهم حاجة حلوة لأحفادي».
كل ما تأمله صاحبة الـ62 عاما، أن تجد من «يجبر بخاطرها بشغلانة»، في تلك المرحلة العمرية التي وصلت لها: «بتمنى حد يساعدني بشغلانة، عشان حاسة إني محتاجه ارتاح في الفترة الأخيرة دي ويتجبر بخاطري بعد الشقا اللي شوفته في حياتي، نفسي أعيش زي البني آدمين في مكان كويس وأنام على سرير، ويبقى ليا دولاب وباب مقفول عليا أنا وعيالي».