رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

منال عزام تكتب: جعلوني متزوجا.. تاتا خطي العتبة

كتب: منال عزام -

03:55 ص | الجمعة 26 مارس 2021

الكاتبة منال عزام

منذ تعرفت على زوجي وتمت خطبتي وأنا مندهشة للغاية من اهتمامه المبالغ فيه.. كان يتصل بي في اليوم عدة مرات ليطمئن علي ويصر أن أغلق الخط أولا مرددا «مع السلامه مع السلامة اقفلي أنت الأول اقفلي أنت الأول».. كما يصر أن أتصل به فور خروجي من المنزل لأبلغه أنني خرجت وعندما أصل للمكان ليعلم أنني وصلت، وحينما أعود للمنزل بسلامة الله ليتأكد من أنني وصلت، وإذا حدث خلل في هذا النظام الرقابي المحكم ـ لا سمح الله ـ تثور ثائرته ويغضب ويقيم الدنيا ولا يقعدها وأنا في حالة دهشة بالغة وهو يرغي ويزبد وكأنه قنبلة موقوتة: «كنت هاموت م القلق عليكي.. طبعا ما أنا مش فارق معاكي خالص.. تلت ساعات قاعد أرن وأنتي يا مشغوله يا الخط مغلق.. عبريني طيب.. تاني مرة يا تبعتي رسالة يا تكلفي خاطرك وتتصلي بيه تطمنيني».

 بالطبع كان يصيبني الذهول وأنا أتساءل هل هي جريمة أن أنام ساعة أو ساعتين أو أخرج مع صديقتي وأنسى الموبايل في حقيبتي مغلقا أو خارج الخدمة أو تفرغ بطاريته فجأة ويصعب علي شحنه وحينما يتحشرج صوتي وتنحبس الدموع في عيني أجد صوته يرق تماما وهو يقول باهتمام بالغ: «اعذريني ياحنان.. باقلق عليكي يا حبيبتي.. أنتي مش عارفة اللي بيحصلي لما بتغيبي عني لحظة واحدة.. بابقى هاتجنن حقيقي»

 صدقته وبدأت أشعر أنني بالفعل فتاة الأحلام وأن خطيبي هو الفارس المغوار الذي سيخطفني على حصانه الأبيض، وازداد احساسي عمقا كلما مرت الأيام وأنا أراه على حد تعبيره يخاف علي من الهواء الطائر بعبارات أدهشتني ولكنها أرضت غروري وجعلتني أحلق في عالم من الأحلام: «لأ بالراحة.. على مهلك.. هاتي ايدك.. البتاع دا تقيل عليكي قوي.. أوعي تشيليه تاني.. الراجل دا بيستظرف معاكي واللا إيه!! بيبصلك كدا ليه؟!! على فكره أنا لو اديته بونية هاوقعله صف سنانه» 

ظل يحاوطني بالرعاية طوال فترة خطوبتنا وكان لايرفض لي طلبا ونحن نشتري أثاث المنزل.. باختصار كانت طلباتي أوامر وبينما كنا نركب السيارة مغادرين أحد معارض الأثاث وجدت رجلا وزوجته وهما يتشاجران وقد ظهر عليهما آثار المشاحنة والنكد الأزلي وسمعت الرجل يقول لزوجته وهي تكاد تخبطه بالأغراض التي كانت تحملها في يدها: «هو أحنا هنبات جوه.. انجزي يا ماما.. أنا مش فاضيلك.. ولعلمك مش هاشتري المراية اللي عامله زي ضلفة الدولاب دي.. هنحطها فين؟!! مش لازم تفكري قبل ما تشتري.. لو شغلنا مخنا شويه هنرتاح كلنا».

 أحسست بالشفقة البالغة على الزوجة المسكينة ونظرت لخطيبي بإعجاب شديد وأنا أراه مبتسما راضيا يتمنى لي الرضى أرضى، وأدركت كم أنا محظوظة به فلا مجال أبدا للمقارنة بينه وبين غيره.. مسكينة تلك الزوجة التي تزوجت هذا الوحش الكاسر.

 ومرت الأيام سعيدة وتحولت الخطبة لكتب كتاب وكتب الكتاب لدخلة وزواج، وأنا العروسة الننوسة التي يخاف عليها زوجها من الهواء الطاير فبدأنا زواجنا بحياة سعيدة مليئة بالاهتمام المبالغ فيه تغلفه عبارات من نوع: «أوعي تنشري الغسيل.. أنا اللي هانشره.. متشيليش الكيس دا تقيل عليكي.. طبخ ايه ووجع دماغ إيه هناكل بره النهاردة.. إيه الجمال دا!! شيك قوي الطقم دا.. منيكان يا أخواتي».

عشت سنة كاملة من الفرحة والسعادة وأنا أحلق في عالم من المرح و... بدأ العد التنازلي بقدوم أول مولود لأجد نفسي رغما عني اصطدم بالواقع المرير...

 وبالتدريج بدأت تقل اتصالات الاطمئنان وتحولت لصورة معاكسة تماما فإذا اضطرتني الظروف للاتصال به في عمله لأمر بالغ الأهمية وتنازل وتعطف ورد على مكالمتي  أجده يجز على أسنانه قائلا: «ودا وقته..هااااه.. خلصيني.. ما توديه انتي للدكتور.. أنا مش فاضي دلوقتي.. معرفش هاجي امتى.. هو تحقيق؟!!»

 وبطبيعة الحال وجدتني مع الوقت ألبس جميع الأدوار لأتحول لدادة وطباخة وسفرجي وغسالة فأنشر الغسيل وأطبقه وأشتري الخضروات واللحوم وجميع مسلتزمات المنزل وأضرب وأجمع وأطرح وأذاكر للأولاد وآخذهم للتمارين وأتابع المدرسين وأحل مشاكلهم وأتصرف في ميزانية البيت وكأنني مكتب مستخدمين متعدد الاختصاصات.

 أصبحت حياتي رتيبة مللة مليئة بالصعوبات أقلها أن أحمل غرضا ثقيلا كما كان يخشى علي زوجي في بداية زواجنا، كما أصبح نشر الغسيل ولمه أمرا مفروغا منه لا يضعه أحد في باله لأنني ببساطة شلت الجمل بما حمل فتحولت هذه الأشياء البسيطة ـ في نظر زوجي ـ لأمور تافهة لا تحتاج لجدال.. وبينما أجلس وأمامي كومة من الملابس التي أقوم بتطبيقها وبجواري ابني يقوم بحل عملياته الحسابية اللانهائية وأنا أصوب له أخطاءه وجدت زوجي يجلس متأففا وهو يسب ويسخط ويلعن فريقه المفضل ف دوري أبطال أوروبا والذي خسر أمام خصمه العتيد عندها انكسر قلم ابني وذهب كعادته لـ «يبريه» فلم يعد.. وجدتها فرصة لأحدث زوجي في الموضوع الهام الذي تم إرجاءه عدة مرات لأجل غير مسمى: «عايزين نشترى مكتب لكريم.. المكتب آيل للسقوط والكرسي كمان بقى مخلع». 

التفت إلي زوجي وكأنني قادمة من الفضاء الخارجي وقال بغيظ وهو لا يصدق نفسه: «مش دا المكتب اللي لسه جيبينه من خمس سنين؟!! طبعا يا هانم ما الأستاذ عامل أوضته جبلاية قرود.. بيتمرجح حضرته ع الكرسي كإنه ف أكوا بارك.. لما يتعلم يحافظ على حاجته نبقى نجيبله مكتب جديد».

 نظرت إليه بغيظ شديد وأنا أؤكد له أن شراء المكتب والكرسي أمر لا مفر منه فلوح بيده مغتاظا وهو يقول: «روحي انتي اشتريله المكتب أنا مش فاضي ومعنديش روح للف ع المحلات.. بازهق».

 عندها مر برأسي شريط ذكرياتي في السنوات الماضية وتذكرت الأشياء البسيطة التي تطوعت لشرائها بنفسي وأنا أظن بكل سذاجة أنني سأدخل علي قلبه السرور وأسعده بها ليفاجئني بانتقاده الرهيب وسخريته اللاذعة: «ودا إيه دا بقى إن شاء الله.. انتي بتسمي الأبلكاش دا خشب؟!! دا قشره ياماما.. مين اللي ضحك عليكي وباعلك البتاع دا؟ دا ميسويش تلاته نكله.. يومين كدا وهيتدشدش وبكره تشوفي».

 عندها نهضت بغضب شديد وهتفت بكل ما أوتيت من قوة  وأنا أنتزع نفسي انتزاعا من ذكرياتي الأليمة: «رجلي على رجلك.. أنا مبشتريش حاجه لوحدي.. فضي نفسك ساعة زمن وخلينا نخلص».

 وعند معرض الموبيليا وجدت نفسي أعدو خلف زوجي وكأنني عسكري دورية وهو مندفع كأي مفتش مباحث وجد الجاني ولا ينقصه إلا اقتحام المكان والقبض على المحتالين.. وبدون أن أفتح فمي بكلمة أخذ يدور بين المكاتب والمقاعد المناسبة وغير المناسبة وهو يدق علي خشبها متظاهرا أمام البائع بالخبرة العميقة والوعي التام والحذاقة والفطنة وأنا أعلم الناس أنه لا يفقه شيئا في الخشب أو الأثاث بمختلف أنواعه وبينما يسأل البائع ويغسله وينشره بأسئله لا معني لها من نوعية ..نوع الخشب؟!! تاريخ صناعته.. يتحمل كام كيلو.. انقراض الأشجار في غابات الأمازون..عندها تركته والبائع يواجه مصيره المحتوم وابتعدت قليلا لأتأمل الأثاث وأسلي نفسي في أي شيء آخر فاصطدمت عيناي بشاب يفتح الباب لشابه صغيرة أنيقة واضح من رقتها وابتسامتها الوديعة ونظراتها المليئة بالرضى والدلال أنها خطيبته ودون أن أدري تتبعتهما بنظراتي وهما يسيران بتناغم تام والخطيب يميل على خطيبته مداعبا بكلمات رقيقة وهي تضحك بفرحة وسمعت رغما عني جزءا من الحوار وهو يقول مشيرا للمعرض: «اشتري اللي انتي عيزاه يا حبيبتي.. دا انت تؤمري.. يعني هاجيبه لأعز منك.. اطلبي عينيه»، ولأن المعرض كان له طابقا ثانيا أسرعت الخطيبة المصونة ترتقي الدرج برشاقة وزلت قدمها على حين غره ـ بقصد أو بدون قصد ـ فأسرع الخطيب الملهوف يسندها وهو يهتف من أعماق قلبه بخوف حقيقي ولهفة لا تخطئها العين: «حاسبي.. بالراحة علي نفسك.. رجلك حصلها حاجة؟!! أوديك المستشفى؟!! طمنيني».

 عندها تذكرت الماضي السعيد ولهفة زوجي القديمة والسيناريو المتطابق بحذافيره فحولت نظري لزوجي وهو لازال يفاصل مع البائع المسكين متأففا وقد ارتسمت الـ «مية وحداشر» على جبهته كأوضح ما يكون فانفجرت رغما عني في الضحك وارتفع صوتي مجلجلا ليلفت أنظار الجميع.. زوجي غاضبا والبائع مندهشا والخطيب الملهوف والخطيبة المسكينة وقد علت علامات الاستفهام وجوههم جميعا فأشرت للخطيبة المأسوف علي شبابها بيدي قائلة لأنهي هذه المسرحية الهزلية: «اطلعي اطلعي.. عشيلك يومين ياحبيبتي .. نصيحة مني.. لأن بعد كدا كله هيبقى ف النازل».