رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

منال عزام تكتب: «جعلوني متزوجا»..الأطفال أحباب الله

كتب: منال عزام -

10:39 م | الخميس 04 مارس 2021

منال عزام

الأطفال أحباب الله ـ مفيش كلام ـ ولكنهم في بعض الأحيان يكونون أعداء البشرية وخاصة إذا كانت لهم ألسنة سليطة وقلوب جريئة وتصرفات عفوية، وفي حالتي أنا كان أولادي نموذجا فريدا من نوعه.

بدأ الأمر بابني الأول وكان فصيحا بطبعه فتسبب لي بفصاحته هذه في مشاكل كثيرة.. نطق حروفه الأولى بسلاسة يحسد عليها وبالتالي كانت كلماته واضحة للغاية لا تخطؤها الأذن فأجده يهتف بالآخرين ـ على حين غرة ـ قائلا: «مبحبش الراجل دا.. الست دي وشها كورة.. طنط أكلها وحش قوي ياماما.. ماما بتقول إنكوا كلكوا غلسين» وهكذا بدأت المشاكل وأنا لا أستطيع السيطرة علي الأمور لتستمر القصص المثيرة للحرج عاصفة.

وبينما ندخل عيادة طبيب الأطفال وهي الزيارة شبه الأسبوعية أجد ابني يترك العيادة بكل ما فيها ويتجه للطبيب مباشرة فيسأله بكل وضوح ودهشة عن سر الحسنة التي تظهر بجوار حاجبه الأيمن ليجيبه الطبيب بصبر وأناةٍ وقد انقلبت الأدوار وكأننا جئنا لنكشف على الدكتور وليس العكس.. ابني: «إيييه اللي فوق حاجبك دا يادكتور؟!!» الطبيب متذرعا بالصبر: «حسنة يا حبيبي» ابني: «يعني ايه حسنة؟»، الطبيب: «حاجة كدا زيادة بتطلع في الوش»، ابني بعصبية: «شكلها وحش قوي شيلها» الطبيب متمسكا بالصبر: «حاضر يا حبيبي.. هاحاول».. ولأنه حوار متكرر ويحدث كل مره قررت أن أبحث عن طبيب آخر «ميكونش ف وشه حسنة.. عشان نخلص».

ولم تنته مشاكلي ولكنها امتدت لعقر داري حينما دخل زوجي ليأخذ ابني لزيارة جدته كما اعتاد كل جمعه فينبري ابني رافضا وهو يقول متكئا على الحروف: «تيتة مبتحبنيش.. بتزعقلي لما افتح التلاجة.. ومبترضاش تديني بنبوني.. وبتقولي مامتك معرفتش تربيك»، ولأنه مجرد طفل أجد زوجي يستدير ليرمقني أنا شذرا وهو يقول بغل واضح: «لازم يعني تكرهي الولد ف جدته.. عيب ميصحش كدا.. دا طفل.. هتستفيدي ايه؟!! كل دا عشان كانت عايزة تجوزني لديدي بنت خالتي.. شيلي السواد اللي جواكي دا بقي وانسي القصة دي»، عندها ينعقد لساني وأنا أردد من أعماق قلبي أنني مظلومة وكانت أمنية حياتي أن يتزوج ديدي بنت خالته ويريحني.

ولأنني لا أعتمد علي الدادات كان علي أن آخذ ابني معي في كل مكان ليتسبب لي في مشاكل لا حصر لها.. أذكر منها صديقتي الجميلة المتزوجة والتي لسوء حظي «وليس حظها» لم تنجب لسنوات وبينما أمسك ذراع ابني في يد وأدق بابها باليد الأخرى سمعت ابني وهو يقول بصوته الجهوري: «ولادها عندهم كام سنة؟»، وعبثا حاولت أن أفهمه أنه ليس لديها أطفال كما حاولت إلهاءه لينسى هذا الأمر ولكنه وضعه كالعادة في بؤرة تفكيره وما أن دخلنا وانشغلت مع صديقتي المسكينة في حوارات جانبية حتى بدأ ابني يسأل بصوت لحوح وهو يحاول قطع حوارتنا، فلم تنتبه صديقتي لمحاولاته ولكنني كنت أسمعه جيدا وهو يردد وعينه تطوف بالمكان: «فين الولاد؟!! مش سامع صوتهم لييه؟!! نايمين؟!! بياكلوا؟!! طيب بياكلوا ايه؟!!عندهم ألعاب» وما إن دخلت صديقتي لتجلب لنا بكل براءة المأكولات والمشروبات حتي زغدته وأنا أهمس له كي لا تسمعني:" مفيش أولاد.. متتكلمش ف الموضوع دا خالص.. سامع» وظل ينظر إلى حائرا وما إن عادت وانخرطنا في الحوار من جديد حتي دخل بيني وبينها بكل جرأة وشجاعة وإقدام وكأنه حكم دولي يطلق صفارة الإنذار ويهتف قائلا: «معندكيش ولاد ليه زي بقية الستات» وضعت يدي على رأسي من شدة الصدمة ولم أستطع مواساة صديقتي التي انفجرت في البكاء.. لم أرها من يومها ولكنني أذكر أنني لمحتها بعد سنوات طويلة وهي تجر خلفها حفنة من الأطفال.. وقتها عرفت أن ابني كان سببا غير مباشر في دفع أزمة الانفجار السكاني في مصر.

وحينما زارنا صديق زوجي المقرب وأردت أن أثبت له مدى حفاوتنا وكرمنا فأخرجت طاقم الصيني الجديد والملاعق الذهبية والفضية والمفارش المشغولة الحريرية ووضعت أصناف الطعام الشهية.. حسبت حساب كل شيء ما عدا ابني الذي يتدخل دائما ويفاجئني بمواقف جديدة لا يتصورها عقل.. وبينما أجلس بأناقة وفخر وكبرياء كزوجة وأم من أحدث طراز وبينما الرجل يأكل باعجاب شديد وزوجي يزكي له جميع الأصناف هتف ابني بكل حماسة ولهفة وفرحة وهو ينظر للمائدة بكل ما عليها من أطباق وملاعق ومفارش وهو يصيح بذهول حقيقي ودهشة: «معالق جديدة وشوك وسكاكين!! بقينا أغنيا يا ماما!! لحمة وفراخ ورز وشوربه!! عايز آكل في الطبق اللي بيلمع دا».. تمنيت وقتها أن تنشق السفرة وتبتلعني وعبثا حاولنا أن نبتسم ونضحك ولكن الضيف العزيز أيقن أننا «مستلفين الأطباق والملاعق وأننا غالبا بناكل على الأرض أو مبناكلش خالص» لتصبح ذكرى هذا اليوم مأساة حقيقية.

ولحظي العاثر جاءت ابنتي نسخة طبق الأصل من أخيها فتسببت لي هي الأخرى في مواقف لا أحسد عليها.. أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر صديقتي التي ذهبت لزيارتها لمباركة زواج ابنتها «وليتني لم أذهب» وما إن تخطينا عتبة بيتها حتى بدأت المشاكل فهتفت ابنتي وقد استيقظت لتوها من نومها العميق في السيارة: «سلم بيتهم ضيق قوي.. احنا بنزورهم ليه؟!!»، وأدركت من نبرة صوتها وطريقتها في الكلام أن المشاكل قادمة لا محالة وبالفعل ما إن أخرجت صديقتي الصور ومقاطع الفيديو وبدأت في شرح الأحداث وسرد القصص حتى هتفت ابنتي بكل ثقة وهي تنظر للصور والفيديوهات وتقلب عينيها باعتراض بالغ: «العروسة سنانها كبيرة قوي.. الفستان وحش.. الجزمة مش لايقة عليه خالص.. الفيديو طويل ويزهق.. العريس شكله كبير.. وشه فيه خطين».

ووجدت صديقتي تحمر غيظا ورغم محاولاتي للسيطرة علي الموقف إلا أنني يأست تماما فقد أخذت ابنتي التي لا تتعدى الخمس سنوات الميكروفون وانطلقت.. وخرجت من عند صديقتي وأنا أشعر بالندم الشديد لذهابي ونظرات التحدي متبادلة بين ابنتي وصديقتي وحينما أردت تأنيب ابنتي وجدتها ترفع رأسها بكبرياء وهي تهتف قائلة: «مش هنروح عندهم تاني.. العصير بتاعهم طعمه وحش قوي» فابتلعت لساني وأدركت أنه لا فائدة.

وقررت بعد مواقف كثيرة مشابهة أن أمكث بأولادي في البيت فلا عينا رأت ولا أذنا سمعت حتى جاء ابني مرة وهو يسألني بدهشة عن سر امتناعي عن الخروج فصرخت به غاضبة أن لسانه الطويل هو وأخته سبب أساسي في كل هذا فأكد لي بصدق أنه لن يفعلها مرة أخرى وسيظل هادئا مطيعا طوال الوقت.. صدقته وتصادف أن دعتني صديقتي للنادي وقالت لي بفرحة والحاح: «هاتي الولاد معاكي يشموا هوا.. هينبسطوا قوي»، وبالفعل أخذتهما وكانت المفاجأة.. أخذت صديقتي تلاطفهما وتداعبهما وتسألهما أسئلة كثيرة من باب أن الأطفال أحباب الله ـ وكدا يعني ـ ولكنهما التزما الصمت التام ولم يحركا ساكنا طوال الوقت.. شعرت بالحرج الشديد وهما ينظران لصديقتي بعداء ولا ينطقان بحرف واحد فهمست لهما بغيظ دون أن تلحظني صديقتي: «عيب كدا.. ردوا علي طنط.. لما تسألكوا تجاوبوا» فقال ابني بصوته الجهوري وقد خرج عن صمته ليسمعه تقريبا كل من بالنادي: «طنط دي رغاية قوي يا ماما.. وبصراحة كدا شكلها يخوف».

كانت الصدمة شديدة للجميع.. كل ما أذكره بعدها وأنا أتابع أخبار صديقتي البريئة اللطيفة عن بعد أنها أجرت عمليتي تجميل وللأسف الشديد باءتا بالفشل.

كبر أولادي الآن والتزما الصمت التام فأصبح كلا منهما يجلس في غرفته الخاصة ليمارس حياته.. لم تعد هناك مواقف محرجة بل لم تعد هناك مواقف من الأساس وحينما أسأل ابني في أي موضوع يرفع كتفه بدهشة قائلا: «يعني عيزاني اتكلم وأقول إيه؟!!»، فأهمس لنفسي بحسرة قائلة وأنا أستعرض شريط الذكريات: «طبعا هتتكلم تقول إيه؟!! ما إنت خلصت الكلام كله وإنت صغير!!».