رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

بـ«شنيور وشاكوش».. «رحمة وغادة» أول نجارتين في الصعيد: البنت زي الولد

كتب: سمر صالح -

01:21 م | الأربعاء 03 مارس 2021

رحمة وغادة داخل ورشة النجارة في أسيوط

منشار حاد ومطرقة ثقيلة وفأرة، تصدّر منها أصوات عالية تقشعر منها الجلود، يحملها فتاتين لم يتخطى عمرهما 20 عاما، داخل ورشة يمتلكها 3 شباب، تلتفت إليهن أعين المارة في حالة اندهاش من جرأتهن، قليلات هن اللواتي يرضين بالعمل في تلك المهنة، التي تميزها رائحة نشارة الأخشاب وآثار الغبار الملطخ على ملابس من يمتهنها، لكن ما العيب في أن يعمل المرء ما يحب رغمًا عن العادات والتقاليد والأفكار المتوارثة، هكذا ناجت «رحمة وغادة» نفسيهما وانطلقا في تجربتهن الغريبة على الواقع في صعيد مصر.

البداية بإعلان على فيس بوك عن ورشة تدريب على النجارة

كانتا قريبتين، تلازما أكثر من اللازم حيث يتلازم الإخوة في السكن والعمل، تتنقلان معا بين المحاضرات في كلية التربية النوعية قسم فنية، حتى شغفهن قسم النجارة حبًا، ولمع المجال في عينيها، وباتا يحلمان بالعمل فيه- رغم طبيعته الخشنة- وفي مساء ذات ليلة هادئة قادت الصدفة «رحمة» لإعلان على فيس بوك عن ورشة نجارة في محافظتها أسيوط، تفتح باب التدريب للفتيات لتعليم الحرفة، دون أن تتردد لحظة واحدة بادرت بتسجيل اسمها لاغتنام الفرصة: «قدمت على طول وقولت لصاحبتي غادة تقدم معايا، كان نفسنا نتعلم وندخل مجال النجارة»، قالت الفتاة الأسيوطية في بداية حديثها لـ«الوطن» بينما انشغلت يديها بصنفرة قطع خشب صغيرة تستعد لتشكيلها.

داخل ورشة تملؤها الأخشاب وأدوات النجارة، أسسها 3 شباب خلال الموجة الأولى من جائحة كورونا بعد تأثير الأزمة على عملهم، حضرت الصديقتان مبكرًا في موعد أول أيام التدريب، يتلهفن للتجربة الجديدة، ألقيا تحية متلعثمة ووضعا تركيزهن فيما يتلقياه من معلومات، ذابت مخاوفهن بالتدريج، صرن يضحكن واندمجا في البيئة الجديدة.

محاولات لإقناع الأهل بممارسة المهنة الذكورية في مجتمع الصعيد

الصديقتان الصعيديتان اجتزن فترة التدريب المقررة بـ3 أيام فقط، أثبتن خلالها مهارتهن وقدرتهن على التعلم والتطوير: «بعد ما خلصت الورشة حبيت أكمل في مجال النجارة وهما رحبوا بينا ووافقوا ننزل نشتغل معاهم»، بحسب وصف رحمة، وبدت لهن أدوات النجارة أمر مثير بأحجامها الكبيرة وبالأصوات التي تصدر عنها.

رحلة إقناع دامت لأيام متواصلة لأسرتيهما، فكيف لفتاتين لم يتجاوزن العشرين من عمرهن العمل في مهنة النجارة، وكيف لرجال الصعيد أن يوافقن على ذلك رغم العادات والتقاليد، لا تدري «غادة عدلي» وصديقتها، إن كان هذا القلق الذي تمكن من والديهما قلقًا عاديًا لفتاة لم تغادر بيتها إلا للدراسة، أم تدّخل عمّقه واقع مثقل بالمخاوف من طبيعة المهنة الصعبة، جعلهم كباقي الآباء يخشون خروج بناتهم للعمل في مهنة ذكورية: «قدرنا نقنع أهلنا إن الشغل مش عيب والبنت متفرقش عن الراجل في أي حاجة» وبدأن تجربتهن الفعلية في العملية بعد اجتياز التدريب كأول فتاتين في صعيد مصر يعملن في تلك المهنة.

عملهن في ورشة النجارة التي تحمل اسم HanCycle أضاف إلى رصيد معرفتهن بحكم مواد الدراسة خبرة جديدة، اعتدن الاستخدام الصحيح لأدوات النجارة بأنواعها المختلفة، المنشار والشاكوش والصينية والصاروخ وغيرها من الأدوات الحادة، غير أنّ أصعبها بالنسبة لـ«رحمة» آلة الصينية التي تحتاج إلى تركيز دقيق في استخدامها لتجنب خطورتها: «دلوقتي الموضوع بقى سهل بالنسبة لينا، اتعودنا نستخدم كل آلة بشكل مظبوط».

بقبضة أيديهن الصغيرة، تمسك «رحمة وغادة» قطع الأخشاب ويبدأن في القص والسنفرة وبعدها تشكيل كل قطعة بما يردن، يبدعن في تشكيل أثاث منزلي متطور الأشكال ومتعدد الاستخدام حسب رغبة الزبائن: «بنقدر نعمل مرايات بأشكال الموضة الجديدة وكنب وكراسي ودواليب مودرن غير الأشكال التقليدية»، وهو الأساس التي تقوم عليه ورشة النجارة التي تبدع في تشكيل الأثاث وفقًا لأحدث صيحات الموضة وبأسعار في متناول سعر الجميع.

ملابس العمل الملطخة بالغراء الأبيض والمعفرة بنشارة الأخشاب التي تملأ الجو من حولهن، أحببن منظرها عليهن، ولم يعد الأمر محرج، صوت المطرقة والشنيور وموتور ماكينة قص الأخشاب أعطى حياة للطالبتين الجامعيتين، اعتاد رجال منطقة المعلمين بالمدينة، الكائن بها ورشة النجارة رؤيتهن صباحا كل يوم يفتحن أبوابها على صدوح صوت إذاعة القرآن الكريم: «الورشة بقى ليها زبونها وقدرنا ننجح ومنفرقش أي حاجة عن الرجالة في مهنة النجارة»، تقول غادة بلكنتها الصعيدية وصوت فخور بما فعلت.

ورشة النجارة دشّنها عبدالرحمن صبري وصديقه في الموجة الأولى من كورونا بعد تضررهم من الأزمة

ورشة النجارة التي تعتمد في الأساس على إعادة تدوير الأخشاب والبلاستيك المقوى واستغلاله في صناعة قطع أثاث جديدة حسب اختيار الزبون، أسسها «عبدالرحمن صبري»، ابن محافظة أسيوط، وصديقه الذي يعمل يحترف مهنة الجرافيك، في بداية جائحة كورونا بعد أن تضرر عمله في مجال التسويق بأحد الشركات بفعل الأزمة، قررا توظيف خبرتهما في تأسيس ورشة صغيرة للأثاث في بداية الأمر لم تتجاوز مساحتها 3 أمتار، بحسب وصف عبدالرحمن لـ«الوطن» به داخل ورشته بمحافظة أسيوط.

دشّنت الشابات صفحة لورشة النجارة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تأسيس قاعدة شعبية جماهيرية جيدة في أسيوط: «جودة المنتج بتاعنا بدأ يلاقي استحسان الزباين وزاد الطلب على منتجاتنا بأشكالها اللي بتواكب الموضة الحديثة للأثاث»، متبعين طرق مختلفة للتسويق ساعدتهما على الرواج والانتشار.

ورشة التدريب التي كانت سببًا في انضمام «رحمة وغادة» إلى الشابان الصعيديان كانت فكرة مبتكرة للتسويق والدعاية للمكان: «اتفاجئنا إن في بنات في الصعيد عايزين يتعلموا نجارة وبعد نهاية الورشة طلبوا يشتغلوا معانا» بعد أن كانمن النادر في صعيد مصر أن تعمل فتاة في مهنة النجارة وسط الرجال.