رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

متطوعة ألمانية بقرية المرأة: "قلنا لا في وجه المجتمع الذكوري"

كتب: أحمد العميد -

01:38 م | السبت 07 يوليو 2018

نوجين

"فى الحقيقة إنني أقول عنها شخصية ضائعة، فلماذا المرأة في راهننا غير معروفة؟، ولماذا تقول نعم لكل شىء؟، إذ إنَّ تنظيم العلاقات هنا لا يتم بناءً على رغبة أحد الأفراد بمن فيهم (أنا)، فهناك ضياع لتاريخ نزير، نريد تحويله إلى تاريخ للحرية، وهناك مستقبل جعلوه قاتماً ونحن نسعى لجعله ساطعاً منيراً، فهل هناك قيمة لأى مواقف أخرى مقارنة مع هذا؟"، هكذا كان يحدثهن زعيمهن "أوجلان" فى كتاباته التي أثرت بعمق في شخصيتهن وسياستهن وحياتهن اليومية، حتى جعل من النساء الكرديات رموزاً بطولية لمشاركتهن في الحرب، إلى جانب الرجال ويحصلن على حقوقهن في كل مكان يكنَّ فيه.

أصبحن قادرات على التفوه بكلمة "لا" في وجه ما يرفضنه، أصبحن قادرات على لفظها في وجه المجتمع الذكوري الذي يراها سلعة ومتعة ويجردها من حقوقها، أصبحن قادرات على كتابة تاريخ جديد لهن، حيث أردن أن يبرهن للعالم أنهن قادرات على الحرب، وأصبحن أيضاً قادرات على التخلى عن المجتمع بما يشتمله من قوانين وأفكار وثقافات لا تناسب حريتهن، فقررن بناء مجتمعهن الخاص الذى اخترنه بلا رجال وبلا قوانينهم، ويصغن له دستورهن الخاص داخل قرية لهن يمنع فيها الرجال، وسميت بـ"قرية المرأة".

هذه القرية التي تسيطر عليها نون النسوة، اجتمع عدد من النساء الكرديات في مارس من العام الماضى، ورقصن الرقصة الأولى لتدشينها، بعد أن اخترن لها سهلاً منبسطاً بالقرب من مدينة الدرباسية في شمال سوريا على الحدود التركية، زارتها "الوطن" لتعايش يوماً مع تلك الفتيات اللواتي قررن أن يهجرن مجتمعهن ويعشن حياة بسيطة في قلب الطبيعة.

على مقربة من مدينة الدرباسية الواقعة فى الشمال السوري والملاصقة للحدود التركية، وبينما تسير باتجاه مدينة قامشلي الواقعة على الشرق من الدرباسية، تتناثر قرى موجودة على جانبي الطريق، كقرية سري كاني وقرية عطيشان، وقرى أخرى جميعها تتسم بالبساطة والبدائية، حيث يعتمد أهلها على الزراعة لجمع محاصيل منها وتربية حيواناتهم، الطريق إلى القرى مفتوح بممر كبير يسمح للسيارات بالدخول في الطريق الملتوي الذى يأخذك مباشرة إلى تبة مرتفعة قليلاً، يمكن ملاحظتها من مسافة بعيدة، لتقترب منها وتجد البيوت الطينية البدائية التي تتخذ شكلاً هندسياً واضحاً فقد رسمت على شكل مثلث في طريقه للاكتمال.

وعبر مدق يخرج من الطريق يأخذك إلى بوابة هذا المكان الذي يبدو غريباً، لتجدها مفتوحة بينما لافتة كبيرة مكتوب عليها كلمة كردية «JIN WAR»، أو قرية المرأة، الباب المفتوح سمح لنا بالدخول بسيارتنا لنلاحظ عن بعد مجموعة من النسوة يتحاورن، بينما أخريات ينهمكن في العمل، على اليسار حيث حقل صغير تمسك فيه سيدة أربعينية فأساً وهي تخفى يديها تحت جوارب حمراء لترفع الفأس وتنزل به على الأرض، وأخرى ترش المياه على حوائط مبنى اتضح لنا بعد أن اقتربنا منه أنه مقهى أو مجلس للسهر والسمر، وثالثة ترمى الطعام لطاووسين يزينان هذه القرية وهما داخل قفص وضع فى منتصف ذلك المثلث الكبير الذى تعد البيوت الطينية البدائية أضلاعه غير المكتملة، لم تمر سوى دقائق حتى تأتى إلينا فتاة عشرينية، تلقي علينا تحية الصباح باللغة الكردية "روج باش" -صباح الخير- نرد السلام ثم تبدأ فى الحديث مع أحد المرافقين الذي جاء معنا خصيصاً للترجمة.

الفتاة تدعى نوجين، هى ألمانية كردية جاءت إلى شمال سوريا قبل عام في جولة سياحية تهدف منها رسم اللوحات للمناظر الطبيعية، لكنها قررت أن تبقى في شمال سوريا للمشاركة في بناء القرية، بعدما علمت بأمر بناء قرية ستضم النساء فقط، خاصة اللواتى استشهد أزواجهن وقتلوا خلال المعارك السابقة بأى حرب دارت فى سوريا، هرباً من عنف المجتمع فى الخارج ولتعود إلى الطبيعة التى كانت عليها النساء فى الماضى، حيث كانت هى الأساس لأي مجتمع -بحسب قولها- لتعلق: "تركت أهلي في ألمانيا حيث كنت أعيش في ميونيخ أحببت القرية واسمها والحياة البسيطة التي سنعيشها، خاصة أنه لن يعيش بيننا رجال ولن تحكمنا القوانين التي وضعت في الخارج وتسلب منا حريتنا"، هذه الفتاة لم تنقطع عن أسرتها المكونة من أب وأم وشقيقتين، فهى تتواصل معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي للاطمئنان عليهم وإخبارهم بما يجرى في هذه الحياة البدائية، وما تنجزه من رسومات على حوائط وجدران القرية.

"نوجين" التى تبلغ من العمر 27 عاماً والتي تعد متطوعة جاءت لتشارك في بناء القرية التي لم تكتمل بعد وتعيش فيها، ترى أن مساندة الفتيات الكرديات اللواتي حصلن على حقوقهن بصعوبة بالغة أمر مشرف، لأنهن لجأن إلى ساحات المعارك ليثبتن لأنفسهن وللعالم أنهن يستحققن الحرية والاحترام وصياغة قوانين خاصة بهن، لتقول: "هنا ستكتسب النساء الخبرات والمهارات التي تجعلها قادرة على الاستغناء عن الرجال وعن جشعهم وعن المجتمع الرأسمالي الذي يحول الإنسان إلى ماكينة تدور دون توقف وتستهلكه، بينما هنا نبذل جهداً طوال اليوم حتى نؤمن لأنفسنا أبسط الأشياء، إنها حياة بسيطة لكنها هادئة وممتعة، وأنا أفضل العيش في الحياة البدائية عن عصر الماكينات الألمانية"، جاء إليها إيمان كامل بأن المرأة قادرة على العيش وحيدة دون الرجل، بعدما رأت الفتيات الكرديات يقاتلن بشراسة على جبهات القتال وحملن السلاح وحققن نفس النتائج التي حققها الرجال، خاصة بعد ما روت بعض القصص الخاصة ببطولات قامت بها النساء خلال الحرب الجارية وأنها سمحت لها بأن تظهر بقوة أمام العالم بعدما ظهرت قصصهن التي أكدت عنادهن وعدم استسلامهن في الحرب معلقة: "لم نر أو نسمع عن أسيرة كردية وقعت في يد العدو".

تعد نوجين هى الفتاة التى لم تغادر القرية منذ أن جاءت والتحقت بها كمتطوعة للمساهمة في بنائها، فهذه الفتاة لم يكن لديها أي مكان آخر تذهب إليه، فأسرتها التي تسكن على بعد 3.5 ألف كيلومتر في ألمانيا، لا يمكن الذهاب إليهم لزيارتهم بسهولة، ولم تر هذه الفتاة الحياة مملة طوال شهور قضتها هنا في القرية، فتشير إلى أنه لم يمر يوم كالذى سبقه، حيث يبدأ يومها بالاستيقاظ عند الساعة 5 ونصف صباحاً لتمارس تمارين رياضية مع بعض الفتيات الموجودات معها، ويبدأن باجتماعهن الأول عند الساعة 8 لأخذ الفطور وإجراء الاجتماع اليومي الذى سيقررن فيه المهام التي سينجزنها، وهى أعمال تشارك فيها متطوعات يترددن على القرية إلى جانب مجموعة من العمال الذين جلبنهم لمساعدتهن في أعمال البناء لـ30 منزلاً مقرراً أن تحتويها القرية، مشيرة إلى أنه بُنى فقط 22 منزلاً بينما بقى 8 منازل أخرى لم يتم بناؤها بعد، إلى جانب 8 بنايات أخرى مقرر بناؤها للخدمات.

هذه القرية التي تتسع لنحو 3 هكتارات تقريباً -30 ألف متر مربع- تحيطها تلال خضراء من كل جانب، بينما يمر فوقها خطوط الكهرباء التي تغذى المدن الواقعة على الحدود التركية، وفيها تحفر الآبار لأعمال الزراعة، حيث حفرت بئر واحدة في القرية لري المنطقة الزراعية بالقرية ويجري حفر البئر الثانية للاستخدام المنزلي، خصصت مساحات في هذه القرية لزرع الخضراوات والفواكه كخطوة أولى لعزل القرية عن المجتمع المحيط، ولكي لا تحتاج النساء إلى الخروج منها وأن يكتفين ذاتياً بما لديهن من أطعمة زرعنها بأنفسهن، معلقة: "نزرع الطماطم والخيار والفلفل والزيتون والكوسة وكذلك فواكه مثل المشمش والرمان"، موضحة أن باب القرية مفتوح لكل امرأة ترغب في العزلة عن المجتمع أو اللواتي يعشن حياة مأساوية مع عائلاتهن ويتعرضن لعنف أسري، قائلة: "نحن سنحتضن الفتيات اللاتي يعانين من نظرة مجتمعية خاطئة، تراها جسداً وسلعة وتمارس سلطة جشعة عليها، وإذا عدت إلى ألمانيا فسوف أقيم قرية مثل هذه وأجلب الفتيات اللواتي يعانين من المجتمع حولي لإنجاحها".