رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

سجينات فى البيت

كتب: آية المليجى -

10:32 ص | السبت 24 فبراير 2018

صورة تعبيرية

انتهت من دروس الموسيقى بالكلية التى طالما حلمت بدخولها، ومع اقتراب عقارب الساعة من التاسعة مساء، خطت مسرعة نحو مسكنها، وبأنفاس متهدجة صعدت على درجات انتهت بمنزل تحولت جدرانه إلى سجن تعيش فيه، استقبلها والدها بغضب بات مرسوماً على وجهه دائماً، وبدأت مشاجراته المعتادة وانهال عليها بالضرب المبرح، أصابها الجمود تجاه ما فعله والدها، لم تفكر فى الدفاع عن نفسها أو طلب الإنقاذ من والدتها التى خشيت أن تنال نصيباً من عنف زوجها، فالمشهد أصبح متكرراً وغالباً ما ينتهى بآثار محفورة على جسدها الضعيف، أو أن يُلقى بها والدها داخل غرفتها فارضاً عليها عقوبة الحبس بداخلها لعدة أيام.. كان هذا عن أمانى، وهى اسم مستعار بالطبع.. وأمانى ليست الوحيدة ممن يعانين من «الحبس المنزلى» الذى يعتبر شكلاً من أشكال العنف الأسرى، تواجهه فتيات كثر من جانب أسرهن، وقد رصدت «الوطن» حكايات بعضهن فى هذا الملف».

«الوطن» ترصد حكايات مؤلمة عن عنف الأسر المصرية ضد بناتها

البيت هل هو حصن نحتمى به أم سجن يحبس أحلامنا؟ هو السؤال الذى طرق على بال العديد من الفتيات، اللاتى روين تجاربهن مع «الحبس المنزلى»، ومن بينهن «عاليا» (اسم مستعار)، التى كثيراً ما عانت من الحبس المنزلى المصاحب لاعتداءات بدنية من جانب والدها، حيث اتخذ من إقامتها لفترات طويلة فى منزل جدتها ذريعة لتفريغ فشله المهنى والأسرى، فكثيراً ما استمعت إلى مشاجراته المعتادة مع والدتها ليجبرها على العلاقة الزوجية.

روت الفتاة العشرينية فى حديثها لـ«الوطن»، صوراً مختلفة من تجارب الحبس المتكرر، بكاء مستمر وصراخ عال أطلقتهما الطفلة ذات الـ10 أعوام، حينما رفض والدها الذهاب إلى جدتها، ظهرت عليها أعراض الاكتئاب المزمن وقابلها والدها بمزيد من التعنت وطردها من المنزل، حيث كانت تقف على السلم لعدة ساعات.

علامات من الارتباك والرعشة ما زالت تبدو على جسدها الضعيف كلما تذكرت ما مرت به من تجارب قاسية، فمكالمة من زميل أثناء المرحلة الإعدادية أمام والدها كانت كفيلة بكسر هاتفها والاعتداء عليها بالضرب وحبسها فى المنزل لمدة تجاوزت الشهر، غير مسموح لها بأداء الامتحانات أو قراءة الكتب.

أدركت الفتاة الصغيرة، من خلال والدتها، التى تعمل إخصائية اجتماعية، أن ما يحدث هو «حبس منزلى» يحرمها من أبسط حقوقها، ومع انتقالها للمرحلة الثانوية التى لم تخل أيضاً من المواقف ذاتها، تذكرت «عاليا» ما فعله والدها حينما عرف بمشاجرة بسيطة وقعت بينها وبين أصدقائها بالمدرسة، فحال بينها وبين أن تطأ قدماها الشارع، وأقدمت على الانتحار لإنقاذ نفسها مما فيه، وحينما فشلت فى محاولتها، انتاب والدها شعور بالشك فى سلوكها الأخلاقى وحاول التأكد من عذريتها، على حد قولها.

فتيات يكشفن ما يدور خلف الأبواب المغلقة: تعذيب وشك وحبس ومحاولات قتل

الحياة القاسية التى تعيشها «عاليا» جعلتها تفكر فى الاستقلال المادى للتخلص من إذلال والدها، ومن خلال الإنترنت بدأت فى استيراد وبيع منتجات التجميل، وجنت الكثير من المال، لكنها أصبحت مطمعاً لوالدها، حيث أنفقت من مكسبها على أسرتها، وبعد مرور أشهر قليلة عادت مشاجرات والدها المعتادة معها، وحرمها من العمل فى محاولة لكسرها من جديد، لكنها لم تفقد الأمل.

رغم تجاربها العنيفة، فإن موهبتها الفنية جعلتها تفكر فى التقدم لاختبارات كلية التربية الموسيقية، وكان الرفض أمراً طبيعياً من والدها، حيث يعتقد الأب أن دراسة الفن أو العمل به من نصيب أصحاب السمعة السيئة، وبينما سقى والدها روحها بمزيد من الإحباط، فرغت «عاليا» طاقة الحزن التى لديها فى عزفها على البيانو أثناء الاختبارات التى اجتازتها، فازداد غضب والدها معتدياً عليها بالضرب، إلى أن أحدث كسراً بدماغها، وظلت حبيسة المنزل لمدة 3 أشهر. سنوات مريرة تعيشها «عاليا» التى اتخذت من الموسيقى مهرباً من الصراعات، ما جعلها تقول «نفسى أخلى كل طفل يسمع الموسيقى اللى تفصله عن خناقات البيت».

ولا تتوقف حكايات البنات فى «الحبس المنزلى» عند هذا الحد، فهناك موروثات ثقافية ما زالت تتبعها عائلة منى (اسم مستعار) ابنة الصعيد، حرمتها من ممارسة حياتها، فبعد وفاة والدها منذ 10 أعوام، أصبح أشقاؤها الأربعة هم ولاة أمرها، وصارت حياتها و3 شقيقات أخريات رهن إشارتهم، حيث ارتضين جميعهن بالزواج، إلا أن «منى» ما زالت تغرد خارج السرب، تم حرمان «منى» من استكمال تعليمها الجامعى، وتحديد إقامتها المنزلية، حيث كان غير مسموح لها بالاتصال بصديقاتها أو الخروج من المنزل، فزيارة الطبيب كانت الأمر الوحيد المباح لها، بحسب حديثها لـ«الوطن».

عزيمة قوية وإصرار مستمر على تحقيق أحلامها المهنية دفعاها لمواصلة تعليمها بكلية الإعلام دون علم أشقائها، لكن انكشف أمرها خلال فترة الامتحانات، وبدأ صراع حاد مع أشقائها، إلا أن النجاح كان حليفها، ورغم الحياة المقيدة التى ما زالت تعيشها «منى» بين أرجاء منزلها، فإنها استطاعت أن تحصل على جزء بسيط من حقوقها، متمثلاً فى الخروج إلى العمل، أما محاولات إجبارها على الزواج فلا تزال قائمة لكنها لم تخضع لرغبات إخوتها، رغم تقدم عمرها إلى الثلاثين. مسلك آخر اتخذه الأشقاء للتضييق على «منى»، باستغلال الدين، حيث تم إجبارها على ارتداء الحجاب، إلا أنها ما زالت تنتظر الفرصة للتخلى عنه، وفقاً لحديثها.

«عاليا»: والدى حبسنى 3 أشهر ومنعنى من الامتحانات ودايماً شاكك فى سلوكى.. و«رضوى»: «بابا فتح دماغى.. وحاول يقتلنى»

أما رضوى (اسم مستعار)، ففتحت عينيها الصغيرتين على الدنيا، غير واعية بما يدور حولها، فكان عمرها لا يتعدى الـ6 أشهر حينما ألقى بها والدها أرضاً أثناء مشاجرته مع والدتها، وأصابها بنزيف دائم فى الشعيرات الدموية، ورغم مرور السنوات فإن المشهد ما زال يؤلمها منذ أن قصته عليها والدتها، طفولة تفتقر لأبسط معانى اللعب والمرح، أو حتى ممارسة هواية، فلا شىء تفعله سوى الجلوس فى المنزل وقراءة ما يريده والدها، وحفظ القرآن الكريم على يديه دون فهم لمعانيه، وفقاً لحديثها لـ«الوطن»، تصرفات عنيفة كثيراً ما أقدم عليها والدها لم تجد لها الفتاة العشرينية تبريراً، ربما اتخذها وسيلة لترهيب أخواتها، وبضحكة ممزوجة بالحزن تذكرت جلوسها أمام أبيها إبان المرحلة الابتدائية، ليحصى عدد أوراق كراستها المدرسية، ليعتدى عليها بالضرب المبرح إذا ما وجدها ناقصة.

ثلاث ليال قاسية لم تستطع رضوى نسيانها، حينما تشاجرت مع أبيها بعد أن رفضت تنفيذ أوامره بالنوم المبكر وظلت جالسة لمشاهدة التلفاز إلى أن استيقظ والدها على صوت عال، وبغضب شديد طرحها أرضاً موجهاً إليها ضربات عدة، تسابق سيلان الدم من أنفها مغطياً وجهها الحزين، وتورمت عيناها اللتان شاهدتا نظرات تشجيع والدتها لما يحدث، وبملابسها الممزقة أودعها الأب داخل غرفتها الخالية، تاركة آثار دمائها على أحد الجدران، وكان الظلام والبرد صديقيها طيلة تلك الأيام الباردة، بحسب حديثها.

بصوت أجش فتح والدها الباب سامحاً لها بالخروج من الغرفة، فجروحها لم تلتئم بعد، لكن ذهنها كان يبحث عن التعافى والرحيل من منزل تشبعت جدرانه بالقسوة، فتظاهرت بأنها الشخص المخطئ وأنه يجب عليها الاعتذار لأسرتها، فقبلت يد والدها الخشنة، وساعدت والدتها فى الأعمال المنزلية، حتى تمكنت من الحصول على هاتفها المحمول واللاب توب، تجهيزات وترتيبات عدة أجرتها رضوى استعداداً للفرار من المنزل، وبعدما أصبحت هناك خطوات قليلة تفصلها عن ترك أسرتها، انتابها شعور بالعطف على حال والديها كبيرى السن، ما جعلها تعدل عن قرارها، وأصبح البحث عن وظيفة تضمن لها دخلاً ثابتاً خطوة سعت «رضوى» لتنفيذها، وبعد صراعات خاضتها مع أسرتها، سمحوا لها بذلك لكى تتكفل بمصروفاتها، أشهر قليلة من العمل فى أماكن مختلفة كانت كفيلة بقدرتها على الاستقلال المادى، فلم تعد فى حاجة إلى أخذ مصروف شهرى من أسرتها، وربما خفف هذا الأمر من وطأة العذاب الذى تعيشه معهم، لكن لم يمنعه بعد.

موقف آخر ما زال محفوراً بداخلها تتجدد بشاعته أمامها كلما شردت بذهنها، وبنبرة تخللها الحزن تذكرت «رضوى» وجه والدها المتجهم وعصبيته المعتادة عندما بحث عن بعض متعلقاته الخاصة فى المنزل، ووجه إليها السباب، وحينما اعترضت على ألفاظه النابية، اعتدى عليها بالضرب وأشهر سكيناً فى وجهها، حاولت الدفاع عن نفسها بدفع جسده الثقيل عنها، فازداد غضباً وأمسك بخشبة حادة معتدياً عليها حتى سالت دماؤها، خيبة أمل كبيرة أصابت «رضوى» حينما استعانت بأخوالها، الذين أنصفوا والدها حاكمين عليها بالحبس قرابة الشهر داخل منزلها محرومة من استخدام هاتفها، غير مسموح لها بالنوم بمفردها فى غرفتها.

ورش «الدعم النفسى» ربما كانت الطريقة التى لجأت إليها رضوى للتغلب على معاناتها ومحاولة تحويل حالها للأفضل، حيث تعرفت على إحداها عبر الإنترنت، وانتظمت فى الذهاب إلى جلساتها، وفرغت طاقتها السلبية من خلالها، واستمدت منها نقاط القوة التى ساعدتها فى الاعتماد على نفسها وتقوية شخصيتها.

الكلمات الدالة