رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

«بديش أطلع من بيتي إلا على القبر».. رسائل «أريج» لخطيبها المصري قبل استشهادها بغزة

كتب: هاجر عمر -

06:53 ص | السبت 04 نوفمبر 2023

عبد الرحمن وعروسه الشهيدة أريج

شخصية مفعمة بالحيوية والنشاط تحب الحياة وتدرس طب الأسنان بجامعة الأزهر في غزة، هكذا تعرف عبد الرحمن على الطبيبة أريج عام 2019، خلال توريده لها أدوات وخامات طب الأسنان التي كانت تستخدمها وتتاجر فيها حتى التقيا في 2022 لأول مرة خلال دراستها لسنة الامتياز بالقاهرة ليتخذ قرراه على الفور بخطبتها لتتم الخطبة وعقد القران بالشهر نفسه، على أن يكون الزفاف في أكتوبر.

وبالفعل ذهبت أريج إلى غزة، لتحتفل هناك أولا بزفة العرس مع عائلتها، على أن تعود مجددا للقاهرة، لكن الحرب قامت في غزة، ولم تعد أريج أبدا، فقد انتقلت إلى السماء مع الشهداء تاركة زوجها في مصر لا يضمد جراحا غائرة.

الرحلة الأخيرة إلى غزة

«هي كانت ما شاء الله شاطرة ومجتهدة جدا بتذاكر وبتاجر، واتقدمتلها علطول وفي نفس الشهر كتبنا الكتاب يونيو إللي فات، كان كل حاجة سريعة، واتفقنا نتجوز آخر السنة، وجت شهر 9 قعدت الشهر كله، شطبنا الشقة وفرشناها كلها واشترينا كل حاجة مع بعض، واختارت الفستان وعملت كل التعديلات عليه واتصورت بيه وسابته في مصر وسافرت عشان تعمل زفة العرس في غزة بس قامت الحرب بعدها بكام ساعة» يقول عبد الرحمن.

رسائل عروس فلسطين قبل استشهادها لخطيبها المصري

الرسائل على هاتف عبد الرحمن من أريج، هي كل ما بقا له منها، فمنذ أن قامت الحرب، وهي وسيلتهما للتواصل، بقلوب المحبين المرتجفة وأناملهم المرتعشة من خوف الفراق، قبل أن يفقد عروسه شهيدة في غزة قبل أيام من زفافهما في مصر.

رفض للتهجير.. «آخر ما تبقى من شرفنا وكرامتنا هان»

رفض التهجير وترك غزة، كان مبدأ الطبيبة أريج الذي تتشاركه مع كل فلسطيني، رغم معرفتها بخطورة الوضع فقد كتبت لعبد الرحمن تقول «بديش أطلع من بيتي الا على القبر، لا أطلع منها بالاجبار.. هم على قلبي.. روحي هان والله.. آخر ما تبقى من شرفنا وكرامتنا هان». 

«بيتي حلو.. تفتكر نعيش».. رسائل أريج لعبد الرحمن 

«بيتي حلو شكرا أنك عملتلي إياه»... «الله يديمك... تفتكر نعيش؟»... كلمات عرفت طريقها من هاتف الطبيبة أريج عيد، في غزة، لهاتف خطيبها في مصر، تستجدي فيها كلمات من عبد الرحمن عبد الله، تطمئن قلبها المنفطر لفراقه، قبل أن تباغته بصورة ترتدي فيها فستانها الأبيض خلال بروفات تفصيله قبل أن تتركه في مصر على أمل العودة للزفاف وكتبت تحتها سؤالا يقول «ياترى هلبسه تاني؟»، فيستجمع عبد الرحمن، قواه ليتغلب على خوفه، محاولا طمأنتها بصوت ملطخ بالخوف والقلق... «أجمل عروسة بكوكب الأرض والله».

انقطاع الإنترنت

انقطاع الإنترنت في غزة وانقطاع رسائل الأمان المتبادلة عبر الحدود كانت صدمة حقيقة لأريج، أو أشبه بانقطاع الحبل السري عن الجنين، «محتاجة أدخل غرفتي أنت عارف مفهاش نت للأسف... بس هاد مشكلتي والله... بحس بأمان وأنا بكلمك».

أمنية أخيرة لم تتحقق

«أريج أعظم شخص في حياتي ونعم ربنا عليا كانت متجمعة في أريج، لله الحمد على ما كان وما سيكون ومالم يكن»، بصوت خافت مليء بالشجن، يصف عبد الرحمن عروسه، التي غدرت بها قوات الاحتلال خلال سفرها لغزة للاحتفال بحنة العرس في حديثه لـ«الوطن»، مستطردا أنه حاول كثير تحقيق أمنية أريج الأخيرة التي تضمنتها رسائلها الأخيرة بإلغاء حجز قاعة الزفاف، وإقامة حفل الزفاف على البحر بسماء صافية ليس بها أي طائرات، وهو ما جعله يبحث عن مدن لا تطير بها الطائرات على أمل أن يحقق أمنية حبيبته بعد انتهاء الحرب، «أقسم بالله ده حصل ودورت كتير... دي كانت أكبر أمنية عندها من ساعة ما الحرب بدأت... معرفتش أنها كانت تقصد الجنة ربنا عنده أماكن مفيهاش خوف ولا صواريخ بنزل من الطيارات».

رسالة أريج الأخيرة: بدي فرح على البحر وسما صافية مفيهاش طيارات

«...هلقيت أول ما تضع الحرب أوزارها... أنا بدي أجي... بديش اعمل ولا شي ... بدي تاخدني ع مكان فش فيه ناس... بس في زرع وبحر... بديش طيارا أبدا أبدا... بديش ألمحها بالسما حتى... وبديش صوت صراخ وصوت عال... وبديش فوضى» رسالة أخيرة لم تتحقق لأريج.

حزنت على استشهاد خالها وعائلته قبل أن تلحق به 

استشهد خال أريج وعائلته، خلال نزوحهم عند أحد أقاربهم بعد قصف منزلهم، فنعته أريج على صفحتها و14 من عائلته، وأخبرت عبد الرحمن بضرورة أن يهاتف خالتها وخالها لتعزيتهم قبل نومه خلال الظهيرة، بعد أن أنهى عمله المتواصل منذ الليلة السابقة، فعاود الاتصال بها بأنهم بالمقابر وسيقوم بمعاودة الاتصال بهم وعليها إيقاظه بعد ساعة... غير أن أخاها وصديقتها هم من أيقظاه على خبر استشهادها بقصف طيران قوات الاحتلال وتكفينها بالأبيض بدلا من ارتداء فستان الزفاف مرة أخرى كما كانت تحلم، لتنتهي آمالهم باللقاء وتبدأ آلام الفراق تسري بجسد عبد الرحمن، في انتظار عروسه التي لن تأتي، «مستني إنها تكلمني عشان أعزي خالها وخالتها، صحيت على اتصال عظم الله أجرك أريج استشهدت... لسه فستان الفرح موجود لحد دلوقتي بس أريج استشهدت».

رسالة عبد الرحمن لأريج الأخيرة... «أرجوكي مش دلوقتي»

لا يزال عبد الرحمن يكتب لها رسائل لن تصل مرة أخرى لهاتف تهشم تحت الأنقاض، وجسد فارقته الحياة تحت الركام، لكنه يشعر أن كلماته تصل إليها في السماء وترد عليها في طيف أحلامه، «أول ما عرفت إنها استشهدت بعتلها رسالة بيني وبينها بقولها أرجوكي على الأقل مش دلوقتي».