رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

ماما

اكتئاب ما بعد الولادة.. معاناة قاتلة يجهلها «أقرب الناس»

كتب: إيمان مرجان -

10:56 ص | الإثنين 25 يوليو 2022

اكتئاب ما بعد الولادة ـ صورة تعبيرية

«اكتئاب ما بعد الولادة».. مصطلح علمي قرأته الكثير من الفتيات والسيدات، ربما على صفحات الجرائد أو وهنّ يتصفحن حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، مررّن عليه مرور الكرام، لكنّ واحدة منهن لم تتخيّل أنّها قد تصبح يوما ما واحدة من ضحايا المرض النفسي، الذي قد يفتك بفريسته إن لم تجد ما يكفي من الدعم والعلاج لتجاوز الأزمة.

بكاء وتغيّر «مزاج مريم»

بعد أن أتمّ وليدها الـ24 ساعة الأولى من عمره، شعرت «مريم السيد» - اسم مستعار - ببعض أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، التي بدأت بـ«بكاء وتغيّر في المزاج»، وما تبعه من ضغط الأسرة بأهمية الرضاعة الطبيعية رغم ما تعرضت له من آلام، تقول لـ«الوطن»: «كنت حاسة إن الولد هو السبب في كل حاجة، مكنتش طايقاه ولا قادرة اتعامل معاه».

أزمة بأقل قدر من الخسائر

وجدت مريم بعض الدعم من زوجها، بعد أن تحدّثت إليه شقيقتها التي تعمل طبيبة، وطلبت منه دعمها ومؤازرتها لمرور الأزمة بأقل قدر من الخسائر، وفي المقابل لم تجد السيدة العشرينية دعما من باقي الأسرة، التي كانت تتهمها دائما بـ«إنها بتدّلع».

شاركها الزوج بمشاعره وكلماته الطيّبة وبعض من وقته، لكنه لم يشاركها تحمل مسؤولية أحدث عضو في الأسرة، تقول: «كنت مستنية يشيل عني البيبي عشان أنام شوية، وكل ما كان ده يحصل كان يصحيني ويقولي قومي رضعيه، عشان كده لو قررت أخلف تاني هرضع صناعي، مش هقدر أتعرض للضغط اللي شفته مع ابني».

عودة للعمل

استعادت مريم جزءا من عافيتها النفسية مع عودتها للعمل مرة أخرى، وإلحاق الطفل بحضانة ساعدتها على تنظيم مواعيد النوم والطعام، ناصحة الآباء الجدد بدعم زوجاتهم لمواجهة اكتئاب ما بعد الولادة، والبحث عن دورات للتوعية بأهمية دعم الأم كي لا تقع فريسة للمرض المؤلم.

رانيا و«الانتحار» 

ٱلام الولادة العسيرة كانت أولى خطوات «رانيا كامل» - اسم مستعار - نحو اكتئاب ما بعد الولادة، وبعد مرور الأسبوع الأول لطفلها بدأت الأزمة في التفاقم: «مكنتش قادرة أتعامل مع البنت، كنت بسيبها تصرخ، فكرت في الانتحار وفكرت أأذيها، لكن كنت بتراجع بسرعة وبقول الموت أهون عليا من إني أشوفها موجوعة».

تحسن بطيئ ونوبات صراخ

لم تقرر رانيا اللجوء إلى طبيب نفسي حتى الآن، رغم نوبات الصراخ التي ما زالت مستمرة لديها، لكنها تحاول جاهدة أن تكون قريبة من الأشخاص المحيطين بها، إضافة إلى أنّ الدعم الذي تلقاه من زوجها ووالدتها ساعدها كثيرا على التحسن «البطيء» حسب وصفها.

الأمور أكثر سوءا مع مروة 

افتقدت «مروة السيد» - اسم مستعار - وجود زوجها في الأسبوع الأول بعد ولادتها، بسبب ظروف عمله خارج البلاد، وبدأت الدخول في نوبات بكاء متصلة في اليوم الخامس للولادة، ظنّت أنّ الأمور ستكون أفضل بعودة زوجها، لكن شيئا لم يتحسن، وازدادت الأمور سوءا.

تصف «مروة» (طبيبة عيون)، مشاعرها مع اختبار الأمومة للمرة الأولى إلى جانب اكتئاب ما بعد الولادة، قائلة إنّها كانت دائما تحاول الهروب من المكان الموجود به الطفل، كي تبكي دون أن يشعر بها أحد: «كنت مفتقدة جدا شعور إنه لسا موجود في بطني، كنت بدخل التويلت أعيط كتير جدا وأقول لو كان فضل جوا في بطني مكانش حصل كل ده».

تعافي بالأمر

أزمة صحيّة ألمّت بالصغير مع بلوغه الشهر الرابع، كانت بداية خروج «مروة» من الأزمة، حينها شعرت بأنّ التعافي لا مفر منه شاءت أم أبت: «لما تعب كنت حاسة إني السبب عشان حالتي النفسية، قولت لازم أفوق عشان خاطره». 

جراحة دون مخدر

لم تكن رحلة تعافي طبيبة العيون سهلة، كانت أشبه بـ«جراحة دون مخدر»، خاصة أنّ الذهاب إلى طبيب أمر مستحيل، في ظل مجتمعها الصغير الذي لا يؤمن بالمرض النفسي، تقول: «مكانش ينفع أروح لدكاترة نفسيين، قريت كتير عن المرض، وعرفت إمتى لازم أروح لدكتور، واتعاملت مع الموضوع على إنه فترة وهتعدي، ملقتش دعم من حد ولا حد حس إني مش طبيعية، ودلوقتي الدنيا بقت أفضل كتير».

انعزال ووحدة هاجما إلهام

«بكاء مستمر، ومزاج سيئ دون سبب، ورغبة في الانعزال والوحدة».. أعراض هاجمت «إلهام محيي» - اسم مستعار - بعد الولادة، لكن العرض الأكبر الذي تسبب لها في أذى نفسي مضاعف، كانت الأفكار التي تحدّثها بأن تؤذي صغيرها، وما يتبعه من إحساس بالذنب ولوم ورغبة في الانتحار.

اتهامات بـ«الدلع»

أنجبت «إلهام» صاحبة الـ25 عاما مرتين، ٱخرهما قبل شهرين، وفي المرتين لم تنج من ٱلام اكتئاب ما بعد الولادة، تروي أنّها بدأت التعافي بعد بلوغ الطفل الأول السنة الأولى من عمره، لكن الأزمة ظهرت مرة أخرى بعد الولادة الثانية، والنوبات التي ما زالت تعاني منها، في ظل اتهامات بـ«الدلع» من جميع من حولها، وكلماتهم التي تترك في روحها ندبا لا يقل عما تعانيه: «لو اشتكيت مبلاقيش غير اللوم، وكلام زي اشمعنا أنتِ ما كلنا اتجوزنا وخلفنا».

لم تحظ الشابة الصغيرة بفرصة الذهاب إلى طبيب نفسي، وفي ظل احتياجها للدعم الذي قوبل باتهامات بـ«الدلع» من جانب الأسرة، وتجنّب من جانب الزوج، كانت أزمة «إلهام» تتفاقم دون مُجيب، تقول: «كنت زي الغرقان اللي بيصرخ والناس شيفاه وبتتفرج عليه، حتى جوزي كان بيقعد برا البيت طول الوقت عشان ميساعدنيش ولا يتكلم معايا، حاسة إني بصارع وحش اسمه اكتئاب ما بعد الولادة لوحدي، ومش عارفة مين فينا هيهزم التاني ولا عارفة الحكاية هتخلص على إيه».

خوف هدير

قبل الولادة قرأت «هدير أحمد» - اسم مستعار - ما قد تتعرض له المرأة بعد الولادة، ورغم ظنّها أنّ الأمر بعيدا عنها، وجدت الأعراض التي قرأت عنها قبل أشهر تظهر عليها واحدا تلو الٱخر، لكن العرض الأشد وطأة على نفسها كان «الخوف» الذي استمر معها رغم مرور أكثر من عامين على الولادة.

مخاوف كورونا

بعد شهرين من ولادة «هدير» 28 عاما، ظهر فيروس كورونا في الصين، ظنّت أنّ الأمور عادية وأنّ الفيروس لن يصل إلى مصر، فما الذي يمكن أن يأتي بفيروس ظهر في أقاصي الصين حيث مدينة ووهان، إلى مصر، أو إلى مدينتها الواقعة في محافظة الإسكندرية، لكن توقعاتها لم تكن موّفقة، وسريعا خرج (كوفيد - 19) من ووهان وانتشر في العالم كله، ما زاد مخاوف الشابة الصغيرة على الطفلة خاصة، وعلى الأسرة عامة. 

مشاعر مضطربة

«كنت فاقدة الأمل في الحياة، طول الوقت بفكر إمتى هموت عشان أخلص من الخناقة اللي جوايا، خوف وقلق وعياط ووجع جسدي ونفسي مبيخلصوش».. بهذه الكلمات شرحت الشابة العشرينية مشاعرها المضطربة، ورغبتها في الفناء، في ظل اختفاء الدعم، من جانب الأسرة والزوج.

اختفاء الدعم والٱلام التي كانت تسكن روحها، دفعا «هدير» للبحث عن طريقة لتجنّب ويلات اكتئاب ما بعد الولادة، ومن هنا قررت الذهاب لطبيب نفسي، لمساعدتها على تجاوز الأزمة المؤلمة، دون أن تخبر أحدا، تجنّبا لمزيد من اللوم والأذى النفسي: «كل ما كان الوقت بيمر كنت بحس إني بموت، لما رُحت لدكتور واتكلمت معاه وسمعني باهتمام، حسيت إني ارتحت، صحيح مقدرتش أرجع لطبيعتي بس على الأقل قدرت أتعايش، أنا كنت محتاجة لحد يسمعني بس».

أزمة صحيّة لـ«صغير» وئام

عاشت «وئام شعبان»، 28 عاما، فترة صعبة بعد ولادتها، بدأت بأزمة صحيّة ألمّت بصغيرها، كانت تزيد بالرضاعة الطبيعية، وقتها شعرت أنّها سبب ألم طفلها، وبدأت معها ٱلام اكتئاب ما بعد الولادة: «حسيت إني مقدرش أكون أم، حسيت إني السبب في تعبه، كان نفسي يرضع طبيعي عشان يحبني ويتعلق بيا زي ما الأطفال اللي بيرضعوا طبيعي بيتعلقوا بأمهاتهم».

إحساس مؤلم بالفشل 

إحساس الفشل لاحق «وئام» طوال الوقت، تبعه إحساس ٱخر بأنّ عمرها قصير، وأنّها سترحل مبكرا وتترك صغيرها وحده في مواجهة الحياة، وانّه لن يتذكرها ولن يعلم كم كانت تحبه، كانت تبحث عن شيء يخرجها من الدائرة التي كانت تضيق عليها يوما بعد يوم لكن دون جدوى.

دعم وتجاوز الأزمة

الدعم الذي وجدته الشابة العشرينية من والدتها، وتشجيعها على تجربة شيء جديد يخرجها من حزنها، كانا طرف الخيط الذي أمسكت به «وئام» لتجاوز أزمة اكتئاب ما بعد الولادة، التي وجدت ضالتها في الكروشيه، رغم أنّها حاصلة على ليسانس ٱداب، ودبلومة تربية عام، لكن الخيوط التي كانت تحيكها بإبرة الكروشيه، كانت تصنع منها شخصا جديدا، تماما كالخيوط التي كانت تتحول بعد فترة من بين يديها إلى مفارش أو ملابس للصغار والكبار: «نجحت في الكروشيه ولقيت نفسي فيه، ووصلت لمرحلة مبسوطة بيها جدا، حاسة إني عملت حاجة ابني هيكون فخور بيا عشانها».