رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

حياة بين جدران حظيرة.. حكاية العجوز «نوال» راعية المواشي وحلم «معاش التكافل» (فيديو)

كتب: سمر صالح -

11:57 ص | الثلاثاء 05 يوليو 2022

الست نوال راعية المواشي

باب خشبي متهالك يكاد يكفي لعبور جسدها النحيل منه، يقودها إلى عالمها الخاص، ظلام تام يتلاشى تدريجيا كلما أوقدت مصابيح المكان يُظهر بعده مواشي تفترش الأرض نياما، وحمارين أنهكهما العمل طيلة النهار، حظيرة تشهد أركانها على كفاح عجوز ستينية اتخذت منها مهنة و موردا للرزق رغم صعوبة التعامل مع تلك الحيوانات.

حياة «نوال» بين المواشي

بوجه رسم خطوطه الزمن، وبلهجة تقترب من الصعيدي كانت تتحدث الأم نوال أحمد، لـ«الوطن»، من داخل حظيرة المواشي الملحقة بمنزلها الكائن بمنطقة البدرشين بمحافظة الجيزة، وفي يدها العلف، تسرد سنوات من الكفاح بنبرة صوت تعبر عن سيدة حرمها القدر من الاستمتاع بشبابها، منذ أن حملت على عاتقها مسؤولية ثلاثة أبناء وزوجها المريض.

باكرا ومع رفع أذان الفجر، يبدأ يوم «نوال»، تكاد قدماها لا تحملان جسدها النحيل، بخطوات بطيئة تصعد الدرج وصولا إلى «سطح البيت»، تجد في استقبالها الطيور وقد فتحوا أفواههم نحوها في انتظار نصيبهم من الحبوب، لا تغادرهم إلا وقد تأكدت من إطعامهم، لتبدأ مهمة أخرى في حظيرة المواشي، أكثر مشقة وأصعب حِملا، دون راحة بينهما، «عايشة على تربية المواشي، دي الحاجة اللي عرفت اشتغلها عشان أصرف على البيت وجنبهم بربي شوية طيور فوق سطح البيت تساعدني على العيشة»، تقول بينما كانت مشغولة بإطعام الطيور.

تعول أسرتها بعد مرض زوجها

انحراف يكاد لا يُرى في طريقة سيرها، يفضح الهدوء المُدعي للسيدة التي تحكم قبضتها على الفأس تعزق به أرض الحظيرة تنظفها من روث البهائم، وما إن تنتهي من تلك الخطوة، تعود إلى منزلها تفترش الأرض جلوسا تأخذ استراحة قصيرة تستمع فيها بكوب الشاي الساخن لا يقطع خلوتها إلا صوت أحفادها الصغار وهم يلعبون من حولها: «من يوم ما طلع جوزي على المعاش والمرض رقده في السرير وأنا بقالي سنين في تعب الشغلانة دي».

بالكاد تسد الأم، احتياجات أبنائها كل يوم من تربية المواشي، مرت السنون سريعا وتزوجوا، واستمرت هي على هيئتها المعهودة، أصفرت قدماها وتشققت يداها من تربية الحيوانات، اعتادت على التعامل معهم، واعتادوا عليها وآلفوا رائحتها، تروي «نوال» أو كما يلقبها أهل منطقتها «أم عماد» كيف امتهنت مهنة راعي المواشي التي يتصدرها دائما الرجال، «مبخافش من البهيمة وبعرف أراعيها كويس من أكل وتنضيف المكان، وهما كمان اتعودوا عليا وعمرهم ما أذوني».

الستينية تأمل الحصول على معاش تكافل وكرامة

من العام إلى العام، تجد العجوز الستينية مكسبها من تربية المواشي مع حلول عيد الأضحى، بحسب روايتها: «ده الموسم بتاعي وكل راس مالي البهيمتين دول، بستنى موسم العيد عشان أوسع على بيتي وولادي، وباقي السنة ربنا بيرزق»، حتى باتت أعين الجميع من حولها نظرات فخر بكفاحها.

وهنت «نوال» وتداعى جسدها من التعامل مع المواشي و«عزق» أرض الحظيرة كل يوم، كلما أرادت أن تستريح من عناء المهنة ومشقتها تراودها المسؤولية التي تحملها، لم يعد في العمر أكثر من الذي مر، تريد أن تهدأ قليلا: «نفسي في معاش تكافل وكرامة يكفي مصاريف علاج جوزي المريض»، لم تلتفت إلى أثار التعب الواضحة على ملامحها، تستكمل حديثها بينما تضرب الأرض بالفأس: «حياتي كلها بين حيطان الحظيرة دي وهفضل أشتغل عشان ممدش إيدي لحد».