رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

يا محلا الفول والطعمية من إيد «آمال».. ورثت مهنة زوجها وأمنت مستقبل أبنائها (فيديو)

كتب: سمر صالح -

12:29 م | الجمعة 29 أكتوبر 2021

الست آمال فهمي

ملامح تنم عن قوة وجلد، تملأ قلوب الناظرين إليها دفئا يضاهي أشعة شمس هادئة في يوم شتوي، ملأ الشيب رأسها مبكرا، وارتسمت خطوط الزمن العريضة على وجهها، وظلت تقاوم عبءً ثقيلا وحدها، غير مكترثة بعواقبه التي تباغت تفكيرها من حين لآخر في جوف الليل وبكرة الصباح، محلها بات مقصدًا لعشرات الأهالي والركاب المارة بموقف المواصلات المجاور له، ذاع صيتها ويسألون عنها قاصدين إياها دون غيرها، يهتدون إليها من أصحاب المقاهي والمحال المتراصة على جانبي شارعها.

يوم «آمال» يبدأ من الفجر

مبكرا وقبل أن تشق أشعة الشمس ظلام الفجر، يبدأ يوم السيدة «آمال فهمي»، تستقيظ من غَفوتها على صدُوح قرآن الفجر من المسجد الملاصق للبيت، تشرع بالوضوء، ثم تنصرف نحو القبلة تتضرع إلى الله بالصلاة، طلبا للقوة والرزق، تخرج من بيتها بخطوات متسارعة صوب محلا لبيع الفول والطعمية، ورثته عن زوجها، متحدية الرجال في واحدة من المهن ذات الطابع الذكوري، مُسيَّرة وليست مُخيرة، أجبرتها ظروفها على التخلي عن مزاحمة الرجال في سوق العمل، لملء بطون أبنائها، فباتت لهم أما وأبا ومورد زرقهم الوحيد.

تحول مفاجئ برحيل السند

قبل 6 سنوات اختلف إيقاع حياة «آمال»، أو كما تشتهر بـ«أم فرحة» بريمو الفول والطعمية، بعد إصابة زوجها بجلطة أجبرته على الجلوس بالمنزل، حتى رحل عن عالمنا، تاركا لها طفلين أكبرهما في مرحلة التعليم الإعدادي، والآخر في الابتدائي، حينها، ضاق صدرها من السكون والرتابة، فاتخذت قرارًا فرديًا بإدارة محل زوجها، حزمت أمتعتها ووضعت مفتاحه في محفظة بالية، واتجهت صوبه، ترفع بابه الصاج بيديها بصوت لفت أنظار الجميع من حولها.

أول يوم عمل ونظرات استغراب

«أول يوم نزلت فيه المحل، الكل كان بيبصلي بنظرات استغراب، لأني أول ست في البدرشين تبيع في محل فول وطعمية»، تقول الأم في بداية حديثها لـ«الوطن»، وعن يمينها قدرة الفول، وعن يسارها مقلاة تفوح منها سخونة الزيت المغلي، فلم يكن أمامها خيارًا إلا أن تستكمل مسيرة زوجها الراحل عنها مبكرا، تاركًا لها زمام المسؤولية.

حائرة بين العمال الرجال، لا تفهم أصول المهنة جيدا، هكذا كانت الست «آمال» في أول أيام التجربة، لم يكن التحدي سهلا، نفضت غبار الحزن على زوجها، وعزمت البقاء بمحل أكل عيش أولادها: «في الأول كنت أقف وسط العمال مش فاهمة حاجة، لحد ما اتعلمت أصول المهنة، وبقيت أفتح المحل من الفجر، أمسح وأنضف وأقطع البطاطس، وأحضر الفول وأعمل كل حاجة بنفسي، عشان أقوم المحل على رجله من تاني».

تشجيع وفخر ومسؤولية

صوت محرك ماكينة «الطعمية»، يصدر من نافذة المحل، مع أول شعاع شمس يظهر في السماء، يستيقظ مع ضجيجه النائمون بالمنازل في الشارع، الذي تدب الحياة فيه يوميا مع الخامسة فجرا، زبائنها يعودون إليها ويأتون إليها بزبائن آخرين: «ربنا وقفلي ناس جدعان كانوا بيشجعوني ويشتروا مني، والزبون جر الزبون، والبيع في المحل بقى مش ملاحقين عليه أنا والعمال»، تروي «آمال» بنبرة صوت فخور بما صنعته من إنجاز، يشيد به أهل «البدرشين»، وطفليها «فرحة وبلال»، تتعجب من صورتها في وعيهم وهم أطفال، تحاول أداء وظيفتها كأم وأب، لا تقتصر مهامها على بيت نظيف ولقمة هنية، بل سندا وعامودا قائما في البيت، لا يميل وإن مالت الظروف.

أحلام «الست آمال» تتلخص في أولادها

تمضي الحياة كقطار سريع يمر خطفا، صارت كالنحلة تعد الفطور لأبناءها، تستيقظ فجرا ترتب البيت وتغادره إلى المحل، ولا تعود إليه إلا وقد أوشكت الشمس على الرحيل، إيذانا بالغروب، مضت السنون وحقق أبنائها نجاحا دراسيا، تنسى بفرحته آلام المفاصل التي تداهم جسدها من حين لآخر: «المهنة متعبة، بس فرحتي بولادي ونجاحهم بالدنيا»، بـ«حضن» وقٌبلة على يد الأم، وجبينها تعبر ابنتها «فرحة» باب المحل كلما عادت من الجامعة أو خرجت إليها، تستقبلها وأخيها بابتسامة معهودة لا تغيب.

رغم ضآلة حجمها، باتت «آمال» «بريمو الفول والطعمية» في البدرشين، متمكنة من عملها، تنهدت نفسًا ممدودًا بِعمقٍ، وكأنها تستجمع شجاعتها، لتعبر عن أمانيها البسيطة في الدنيا: «نفسي في القوة والصحة من عند ربنا، لحد ما أطمن على ولادي وأشوف بنتي معيدة في الجامعة، وتتجوز ابن الحلال، وأشوف إبني في منصب محترم، وأطمن عليهم»، وابتسمت ابتسامة مخلوطة بالدموع من كونها تسابق عقارب الساعة، لتؤدي المهمة على أكمل وجه، تود لو أن تسند رأسها قليلا على كتف يشاركها حِملها بعد غياب زوجها عنها.