رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

أبلة نظيرة.. "طعم البيوت"

كتب: روان مسعد -

02:30 ص | الجمعة 31 يناير 2020

أبلة نظيرة

مكتبة جدتي كانت عامرة بمختلف أنواع الكتب، فهي من هؤلاء الذين يحبون القراءة حتى النخاع، ولكن كان أكثرها استخداما هو ذلك القابع في الرف السفلي، في متناول يد الجميع، في يوم عيد ميلاد شقيقي، أخرجت جدتي هذا الكتاب الذي نسميه جميعا "كتاب أبلة نظيرة"، بغض النظر عن عنوانه الأصلي، فتشت جدتي بين صفحاته التي تحفظ تبويبها جيدا، حتى أتت صفحة الحلويات، وبدأت في قراءة تفاصيل صنع "تورتة" في البيت.

رغم جودة الحلوى من صانعيها، إلا أن للأصناف التي تطهى بيد الجدة والأم "طعم البيوت"، دفء الأسرة حول مائدة الطعام قديما، كان لـ"أبلة نظيرة"، وجودا طاغيا فيه، رغم احتراف معظم السيدات المصريات فنون الطبخ، إلا أن هذا الكتاب كان أساسيا لتجهيز العروس وتعرف منه في البداية أين تكمن "فنون الطهي"، فقد كان يقدم نصائح عامة لربات البيوت عن تقديم الطعام، وفنون طهي الأكلات المختلفة، تزيين السفرة، ورص الأطباق، وكذلك وضع المفارش. 

هكذا صنعت أبلة نظيرة إمبراطوريتها الخاصة، من داخل مملكة الأنثى "المطبخ"، خرجت أبلة نظيرة لتعيش على مر السنين، وتصبح متفردة بمجال هي وحدها صاحبة العلامة الأبرز به، بأول كتاب من نوعه ألفته "أصول الطهي" وعدد صفحاته 800، جمعت فيها كل ما يخص الطهي.

البداية مع اختيار وزارة التربية والتعليم، أو المعارف آنذاك، عام 1926، أبلة نظيرة، التي ولدت عام 1902، لتسافر وتكمل تعليمها في إنجلترا، بعد أن تخرجت في كلية التدبير المنزلي، ورغم أن سفر البنات من الأمور الصعبة للغاية تمكنت هي من السفر، وبعد بعثتها لـ3 سنوات في جامعة جلوستر، لتعلم فنون الطهي والإبرة، تخصصت أبلة نظيرة في الطهي، وعملت كمدرسة ثقافة نسائية، أو كما تعرف حاليا مدرسة تدبير منزلي وذلك في مدرسة السنية للبنات، وتدرجت في الوظائف حتى أصبحت المفتشة العامة بوزارة التربية والتعليم.

خلال تلك الفترة، وتحديدا في أربعينيات القرن الماضي، أعلنت وزارة المعارف عن مسابقة لتأليف كتاب لفنون الطهي، فكانت بداية أبلة نظيرة مع بهية عثمان، والتي تخرجت في كلية "بردج هوس" بالعاصمة البريطانية، وعملت كمفتشة عامة بوزارة المعارف أيضًا، وكان هذا الكتاب الأول "أصول الطهي" بالمشاركة معها، إلا أن صيت أبلة نظيرة، أو نظيرة نقولا ذاع بشدة لمشاركتها في الإذاعة، والكتابة، فكانت أسطورة الطهي أبلة نظيرة.

ذهبت أبلة نظيرة، مع بهية إلى الملكة فريدة لتسليمها الكتاب الوليد، وجاء في مقدمته سبب التأليف، وهو "عدم وجود مراجع عربية في هذا المجال ولتنشئة الفتاة على فهم الحياة المنزلية"، بحسب رواية الكاتب عمر طاهر.

لم يهتم الكتاب الفائز بالطبخات بحسب، بل بالمطبخ والأكلات بشكل عام، حيث جاء فيه، من نصائح أبلة نظيرة القائمة على دراستها:

"المطبخ الكبير زيادة عن اللزوم تعمه الفوضى سريعًا، لابد أن يكون مطبخ البيت في جهة بحرية حتي يكون متجدد الهواء".

"في كل طعام مطبوخ لابد أن تكون نكهة المادة الأساسية ظاهرة، مهما كانت إمكانياتك لابد أن تكون ألوان الطعام على المائدة متباينة، متعة العين جزء من متعة الطعام، أهم شرط من شروط نجاح الصلصة أن يكون لونها مطابق تماما للون المادة الأساسية فيها".

"مهارة ربة البيت لا تتجلي فقط في الطهي ولكن تتجلي أكثر في مهارات إعادة طهي ما تبقي من بواقي طهي سابق، أدوات المرأة الأساسية إناء ونار، تخلي عن التعقيد في أدوات الطبخ وإن كان ثمة شيء أهم من الإناء والنار في المطبخ فهو ساعة الحائط".

عقب ذلك، قدمت أبلة نظيرة فقرة ثابتة في الراديو، بالتعاون مع الإذاعية صفية المهندس، والتي طلبت أن تكون معها في فقرة ثابتة مع اقترابها من المعاش، ومن التقديم الإذاعي إلى الكتابة، رسالة دورية تحتويها مجلة "حواء"، من أبلة نظيرة بالإضافة إلى وصفاتها الشهية، كل تلك الأبواب فتحت لها مجالا أوسع لتأليف مزيد من الأجزاء للكتاب الأشهر في عالم الطبخ "أبلة نظيرة".

انتشر الكتاب بشدة، وأصبح تجاريا أكثر منه كتابا تعليميا للفتيات في المدارس، فتوقفت وزارة المعارف عن تدريسه للطالبات، ووصل عدد طبعاته إلى 12 نسخة، تعدلها أبلة نظيرة باستمرار، فقد استخدمت في البداية على سبيل المثال مكيال "الرطل"، وهو المتسخدم في مصر وإنجلترا آنذاك، ليتغير بعد ذلك إلى "الجرامات"، وهكذا كانت تدخل المكونات الجديدة التي تلائم السفرات المختلفة.

شمس أبلة نظيرة ظلت ساطعة حتى وصل عمرها 90 عاما، ظلت تعمل في المجال الأقرب إليها وأورثته لابنتها نجلاء، والتي عملت هي كذلك مدرسة للتدبير المنزلي في الإسكندرية في مدرسة طه حسين، وتدرجت إلى أن أصبحت مدير إدارة البيئة بوزارة التربية والتعليم بالمحافظة، إلا أن الموت هو ما منعها عن تقديم المزيد لفنون الطهي المحببة إليها، فقد توفيت في عام 1992.