كرست حياتها راهبة للعلم والأطفال المرضى البسطاء وأبنائها "عمر، نانسي"، تستيقظ من الثالثة فجرا في الوقت الذي يزداد فيه سقيع الإسكندرية بين نسمات الهواء البارد، تهبط من منزلها في الرابعة صباحا وسط ظلام كاحل، يكسره نور همتها ونشاطها، تستنشق هواءه البارد فتطرد كسل النوم، ولا تعبئ بالراحة أو خطر السير مبكرا، وتتجه إلى مركزها بمستشفى "الأميري" الجامعي لتعالج الأطفال الصغار البسطاء، تداوي أعينهم وتعود لتجديد وحماية نظرهم لرؤية حياة جميلة بدلا من الظلام.

الدكتورة نهال عبدالمنعم الشقنقيري رئيس وحدة طب عيون الأطفال بالمستشفى الرئيسي الجامعي جامعة الإسكندرية، كرّمها الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال احتفالية تكريم المرأة المصرية والأم المثالية، الذي تنظمه وزارتا التضامن الاجتماعي والتخطيط والمتابعة، والمجلس القومي للمرأة، لتكريم مجموعة من النماذج النسائية المشرفة بمصر.

تلك الطبيبة لا يعرفها غير مرضاها والعاملين معها، فهي لا تهتم بملذات الدنيا أو التسليط الإعلامي أو "السوشيال ميديا"، فليس لديها أي حسابات على مواقع التواصل الإجتماعي وتتهرب من التكريمات واللقاءات الصحفية، "فوقتها ملك للبسطاء وعملها لوجه الله لا تحتاج إلى تكريم عليه من العباد فتنتظر مجازاة الله عما تفعله" وفقاً لقولها الدائم.

"ربنا يبارك لها ويعوضها على كل اللى عملته مع عيالنا" كلمات بسيطة اخرجتها "عظيمة متولى" السيدة الأربعينية، من منطقة أبيس شرق الإسكندرية، التي عالجت الطبيبة أبناءها بشكل مجاني منذ عدة سنوات، إلا أنها لم تنسى جميلها وفضلها عليهم، حيث تذكرتها بينما يعرض التليفزيون المصري تكريمها من قبل الرئيس، مؤكدة لـ"الوطن" أن تلك اللقطة التليفزيونية قد صحبها آلاف الدعوات من الأهالي والأطفال التي عالجتهم.

عمر الجويني، نجلها الكبير طالب بكلية الهندسة، أكد على فخره بوالدته بعد تكريمها من الرئيس، قائلاً: إنها تذهب إلى عملها يومياً من الرابعة فجراً، حيث إنه تكرس عملها بالكامل للأعمال الخيرية، ما جعلها تساعد آلاف المرضى من جميع أنحاء مصر.

وأضاف "الجويني"، أنها بكل تأكيد "أم عظيمة" أفخر بها وبعملها، فلم تصل لتلك المرحلة سوى بالعمل الدؤوب، المثابرة، التفاني، والعديد من التضحيات التي لا يعلمها سوى من عاش معها، مؤكداً أنه حان الوقت لكي تحصل على التكريم التي تستحقه كإنسانة وطبيبة رائعة، ولأهم من ذلك أنها أم مثالية.

وقال الدكتور عصام الكردي، رئيس الجامعة، إن الجامعة كرمتها العام الماضي باعتبارها نموذجا يحتذى في التفاني والإخلاص في العمل، وتقديرا لإسهاماتها في خدمة المجتمع وجهودها، لتقديم خدمات صحية وعلاجية وتعليمية للمجتمع المدني في مجال تخصصها، بالمستشفى الميري المجاني بمركز جراحات "اليوم الواحد" قسم رمد الأطفال، والذي تم تجهيزه بالكامل من التبرعات.

وأكد أنها ساهمت من خلاله بالقيام بإجراء عدد كبير من الجراحات للأطفال البسطاء من الإسكندرية والمحافظات المحيطة بل ومحافظات الصعيد دون أي مصروفات، وهي متفرغة تماما لهذا العمل الإنسانى وليس لها عيادة أو مستشفى خاص وكرست حياتها للعمل بهذا المركز، تبدأ عملها فى الخامسة صباحا، بإجراء الجراحات التي تحتاجها أعين الصغار.