لم تستلم لصعوبات مرضها وتحاملت على نفسها لتحول المحنة لمنحة، رغم ولادتها بصمم عميق منعها من الانسجام مع العالم كأي طفلة عادية، إلا أنها سلكت كل الدروب لتواجه إعاقتها التي لازمت حياتها في سبيل تحقيق حلمها، لتصنع نجاحات مميزة بكونها أول طبيبة أسنان من ذوي الهمم، لتخوض حاليا إسراء السيد البابلي، انتخابات مجلس نقابة طب الأسنان بالقاهرة التي ستنطلق في 22 مارس 2022.

دعم معنوي من الأهل والتخاطب بدلا من «الإشارة»

تمكنت أول طبيبة أسنان من ذوى الهمم، مع عائلتها تحدي كل الظروف لكي تتمتع بعيش حياة طبيعية، حتى أن والدتها تخلت عن مهنة الصحافة التي أحبتها وكرست حياتها لأجل مسبقا لمساعدة ابنتها في تخاطي هذه الأزمة.

وكان لأهلها دور كبير في تغير مسار حياتها إلى الأفضل، فعندما علموا بإصابتها، أصر والداها على أن يتغاضوا عن الطريق السهل وهو تعليم طفلتهم لغة الإشارة، لإيمانهم أنه من يتعامل بالإشارة عالمهم محدود ولا يستطيعون الانفتاح على العالم الخارجي، لذا سلكوا طريق التخاطب لتتمكن «إسراء» من التواصل مع الجميع دون قيود.

ظلت الطفلة في بداية عمرها تحضر تدريبات مكثفة شبه يومية للتخاطب بواسطة سماعة طبية، حتى استطاعت أن تنطق بعض الكلمات البسيطة: «حسيت وقتها إني أملك الدنيا كلها بإبتسامة وفخر أسرتي لما سمعوني بتكلم»، بحسب قولها.

تنمر يصنع مستقبل

«كنت قدام اختيارين أصعب من بعض».. بتلك الكلمات تحدثت «إسراء» لـ«هن»، بعد أن استعدت لأول خطوة لإثبات مهاراتها بعد أن قضت حياتها بين المدرسة ودورات التخاطب، لتحصل على شهادة الثانوية العامة بمجموع 94.6% أهلها للالتحاق بكلية طب الأسنان، فكانت أول فتاة تعاني من الصمم تدرس طب أسنان.

لحظات صعبة ومواقف محرجة، واجهتها الطبيبة الثلاثينية أثناء مرحل دراستها ما جعلها أحيانا تفكر في الانسحاب والتراجع؛ لكنها فضلت استكمال مسيرتها والتحدي، لتتخرج من كلية طب أسنان لجامعة القاهرة وفتح عيادتها الخاصة.

وضعها مرضها في مواقف صعبة أمام زملائها في الدراسة والعمل، إذ كانت فريسة للتنمر عدة مرات: «أنا ضد تصنيف البشر، وأصاب بالضيق بمجرد استخدام أي مصطلح لتصنيف الآخر»، لذا عانت من السخرية مرارا أثناء سعيها لتحقيق حلمها، فكثيرا ما تردد على آذانها: «أنتى طرشة إزاى هتسمعي شكوى المريض»، إلا أنها قررت ترك هذه السلبيات والأقاويل خلف ظهرها للتمكن من المضي إلى الأمام.

تحدي جديد تخوضه أول طبيبة أسنان من ذوي الهمم

تمكنت «إسراء» في عام 2017 من تقديم خطبة أمام الجمعية العمومية للعلوم بعد اختيارها من الأمم المتحدة فى يوم المرأة، كأول متحدثة رسمية فاقدة لحاسة السمع فى الأمم المتحدة، لتتوالى بعدها الإنجازات، ففي نفس العام نفسه كرمها الرئيس عبدالفتاح السيسي  بالمؤتمر الوطني للشباب الدورة الثالثة.

أمنيات وأحلام عديدة، تراود قلب الفتاة الثلاثينية، منها الفوز بمنصب رئيس مجلس نقابة طب الأسنان بالقاهرة، كما تأمل أن تكون أكثر قدرة على التعامل مع المرضى بالشكل الراغبين فيه، وإضافة بصمات مختلفة بمجال عملها.