رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

حياة في كنف الخيوط.. «رايقة» عجوز فلسطينية بمصر تحيي تراث بلدها بالتطريز اليدوي «فيديو»

كتب: سمر صالح -

05:18 م | السبت 25 ديسمبر 2021

الجدة رايقة وأحفادها وتطريز الثياب الفلسطينية

كوب من الشاي على طاولة صغيرة أمامها، اعتادت العجوز التسعينية «رايقة إسماعيل» تناوله عصرا في نفس التوقيت من كل يوم، ترتشفه مهلا تغوص معه في رحلة عبر أعماق الزمن وسط شتلات خيط ملونة وإبر بأحجام متفاوتة، تملأ أركان غرفتها التي يحمل أثاثها أثرا من أرض فلسطين مهد الأنبياء وموطن الرسالات، الأدوات المبعثرة من حولها حفظت طريقها فلا تهتم بترتيبها يومًا، تعكف على حياكة وتطريز ملابس من تراث بلادها تجد في ذلك متعة لا يشعر بها سواها.

من فلسطين إلى الاستقرار بمصر

قبل 50 عاما، سكنت إيقاع حياة العجوز الفلسطينية «رايقة إسماعيل»، حين اضطرت لترك مدينة «بئر السبع» الفلسطينية، بعد تضييق الاحتلال عليهم في مطلع السبعينات من القرن الماضي، استقرت في مصر بصحبة زوجها وأبنائها إلا أربعة منهم ظلوا بوطنهم الأم، يضيق صدرها من الاشتياق إلى أهلها ووطنها، فاتخذت قرارًا فرديًا بالعودة إلى جذورها وأساس هوايتها التي أفنت بها شبابها، «من قبل الجواز وأنا صغيرة كنت أحب أبدع في التطريز الفلسطيني، بطرز عبايات وشيلان صوف لأهلي وجيراني» فنفضت غبار الزمن القماش وشتلات الخيوط التي حملتها معها من فلسطين وعزمت البدء في تطريز ملابس على التراث الفلسطيني على أرض مصر.

ملامح من زمن جميل، وابتسامة تكشف عن أسنان متساقطة من العجز تملأ قلوب الناظرين إليها دفئا، ملأ الشيب رأسها وارتسمت خطوط الوهن العريضة على وجهها، تبدو طوال نهارها جالسة على الأريكة مرتدية ملابس على الطراز الفلسطيني من صنع يديها، تمسك بإبرة خيط ساعات طوال ليخرج من بين يديها ملابس تثير إعجاب جيرانها المصريين «بقالي 50 سنة في مصر وبعمل ملابس ومشغولات يدوية بالتطريز الفلسطيني ولحد ما أموت مش هفرط في حب بلدي»، قالتها العجوز التسعينية في حديثها لـ«الوطن» بينما كانت منشغلة بلضم الخيط في رأس الإبرة.

الزي الفلسطيني والهوية والأحفاد

يتميز الشمال الفلسطيني بالعباءة البيضاء المطرزة بالخيط الأحمر بينما اتخذ أهل الجنوب من اللون الأسود زيا لهم مطرزًا بنقوش ملونة يحفظها أهل البلد، وكلاهما تبدع العجوز«رايقة» في تطريزه، يلتف حولها أبناؤها وأحفادها لطلب العلم والخبرة من عجوز نال الزمن من صحتها، ولم ينتقص شيئًا من حرفتها، «علمت ولادي ومرات ابني وأحفادي التطريز لازم يعرفوا تراث بلدهم».

لا ينطق الجماد لأنه على غير البشر، معقود اللسان، و لكنه يعرف لأنه رأى كل شيء، الثياب المتراصة في الدواليب والمفرش المزين بها طاولة الطعام والمكتب شاهدا على مشاعر اشتياق عجوز فارقت وطنها منذ خمسين عاما ولم يفارق حبه قلبها، تحضر في كل مناسبة وعيد بملابس بلدها المطرزة، «بننزل نصلي العيد بالعباية الفلسطيني الناس تسألنا جبتوها منين»، فيطلب أحد الجيران منها تطريز عباءة فلسطينية له «بيطلبوها مني المصريين وبعملها ليهم من غير أي فلوس» تطرز الثوب تلو الآخر لها ولأحفادها دون هدف ربحي.

اليونسكو تدرج التطريز الفلسطيني على لائحة التراث العالمي

تنتظر«رايقة» حتى يهبط الليل و يأوى أهل الدار إلى فراشهم فتسرج القنديل وتمسك بطرف الخيط تشرع في لضمه رويدا رويدا على موسيقى الدبكة الشامي، وما أن يأتي الصباح تجلس في إنصات تام أمام شاشة التلفزيون تتابع أخبار محلية وعربية لاسيما أخبار فلسطين التي تأثر عقلها.

ذات يوم أذاع شريط الأخبار على إحدى المحطات الفضائية خبرا يفيد بضم هيئة اليونسكو الدولية التطريز الفلسطيني على قائمة التراث المعنوي لأول مرة في العالم، التقطت أنفاسها لتروي كيف وقع الخبر على مسامعها، «انتصار عظيم لتراثنا وهويتنا الفلسطينية» فكان ذلك دعما خفيا لها كنسمة باردة في ليلة صيف حارة تجفف بها عرق جبينها.