كتب: آية أشرف - روان مسعد -
01:57 م | الجمعة 08 يناير 2021
لحظة واحدة تفرق بين الموت والحياة، تختلف بعدها الدنيا كليا، وتصبح مظلمة وكئيبة إذا كان المفقود عزيز، ولا فاجعة أكبر من موت الأب، إذ يترك فراقه كسرة لا ينتصب بعدها الظهر أبدا خاصة لدى البنت، فهو حصن أمانها، وحبيبها الأول، وصديق عمرها، مصدر الحنان والقوة، وسندها في الدنيا.
وتتعلق بعض الفيتات بوالدهن تعلق يفوق المنطق، وربما هذا ما دفع فتاتان إلى رفض دفن جثة والدهما، إذ اتفقا سويا على أن يظل جثمانه في بيتهما ببولاق الدكرور لمدة 10 أيام كاملة، تغطين خلالهما على رائحة الموت التي بدأت تنبعث بمعطرات الجو، لم يتقبلا موت الأب، ورفضتا أن يترك بيته، وقررتا أن يظل بينهما حتى لو بجثته فقط.
قصة مأساوية في تفاصيلها، انتهت بنقل الفتاتين إلى مصحة نفسية، بعد رفضهما دفن والدهما، إذ فضحهما العم الذي كان يسأل على شقيقه بشكل يومي دون أن يعرف مكانه من بناته، فقرر إبلاغ الشرطة التي وجدته جثة هامدة في بيته بعد وفاة طبيعية.
لحظة موت الوالد فارقة في حياة الفتيات، مؤلمة وموجعة، عاشتها كثير من الفتيات اللاتي تروين لـ«هن»، لحظات الوداع الأخير المبكية والصادمة إلى حد كبير.
مواقف ساخرة جمعت «حنان أ.»، البالغة من العمر 22 عامًا، ووالدها، إذ اعتاد التمثيل أنه توفي ليقيس مدى حبها له، لدرجة أن الفتاة لم تصدق عندما فارقت روحه الحيا، وأصبح الموت واقعًا.
لحظات هي الأصعب في حياة حنان: «مكنتش متخيلة إن ده الحضن الأخير، كان بيهزر وكويس، فجأة قالي أنا هموت متخافيش»، مضيفة: «لاقيته بدأ يروح مني وهو في حضني، لكن لسة فيه وعي، قولتله مش كبرت على الهزار بتاع زمان ده، لكن اتفاجئت إنه بيحضنني وبس».
وتابعت الفتاة باكية: «كان الحضن الأخير اللي من صدمتي مقدرتش أقابله بحضن، كنت فاكرة كل اللي بيحصل هزار، مفوقتش غير على صوت الصراخ من حوليا».
3 سنوات مضت، تسترجعها «ياسمين ك.» 25 عاما، من ذاكرتها، بعدما شعر والدها بالإعياء للمرة الأولى، فهرولت به نحو أقرب مستشفى.
تحكي ياسمين: «اتكلمنا في الطريق إنه مش موجوع بالشكل اللي يخض، وهزرنا عادي على اعتبار هنروح نعمل فحص، بس اتفاجئت براسه على كتفي وقاطع النفس».
وتكمل: «كنت بحسس أشوف فيه نبض، لكن طلع مفيش، أدركت إن كلامنا اللي تم في 3 دقايق، كان وداع أخير مش هيتكرر تاني».
لحظة فارقة عاشتها «مروة س.» 28 عامًا، منذ حوالي 12 سنة، لم تدرك الفتاة حينها أن موعد خروج والدها من المستشفى بعد مكوثه شهرًا كاملًا، سينتهي بدفنه، وليس عودته لمنزله.
تقول مروة: «فضل شهر في المستشفى لحد ما بلغونا إنه أخيرًا خارج، استنيته من الصبح، ولبست هدومي وكأنه عيد، ومستنياه يرجع مع والدتي على باب البيت».
وتابعت: «اللي حصل إنه اتوفى متحسنش زي ما اعتقدت، وبدل ما يرجع البيت بلغوني إنه في طريقه للدفن، بقيت أجري في الشارع زي المجنونة بنادي عليه، ومش مصدقة اللي حصل».
لخصت «آية أ.» 25 عامًا، ما حدث في وداع والدها، بأن القدر لم يمهلها أن تمكث معه بعض الوقت، كانت تجمعهما علاقة صداقة قوية، حتى أنهما تحدثا في الصباح على أمل إتمام الحديث ليلًا.
تتذكر آية، كواليس الحوار الأخير مع والدها: «اتكلمنا الصبح عادي، وبلغته إني بعد الشغل هنكمل باقي كلامنا ونزلت، لكن بعد ساعة بالظبط اتبلغت إنه تعب لأول مرة في حياته، بقيت أجري عشان الحق أوديه للدكتور».
وتروي الفتاة لحظات انكسارها: «لما وصلت مكانش حاسس بالدنيا، والنبض ضعيف جدًا، خدته في حضني على أقرب مستشفى، ناجيت ربنا يسيبه ليا، لكن القدر كان قال كلمته».
دقائق من الذهول والرعب عاشتها آية، ونبض أبيها يتلاشى رويدًا رويدًا، ودرجة حرارة جسده تنخفض: «فجأة النبض وقف، وجسمه تلج، كنت فاكرة إنه بسبب البرد، كنت فاكرة إن النبض هيرجع، وأنا حسباها غلط، كنت فاكرة أي حاجة غير إنه يكون هيموت، ومع ذلك مستسلمتش وكملت لحد المستشفى».
دقائق صعبة ومؤلمة أخرى عاشتها الفتاة، أمام باب المستشفى حتى تم إبلاغها بأن والدها بات في ذمة الله: «داخلين على سنة ولسه الدنيا واقفة من لحظتها».