رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

بيغسل المواعين ويروح السوق.. إبراهيم 37 سنة في خدمة زوجته المريضة

كتب: آية المليجى -

10:47 م | الأحد 12 يناير 2020

إبراهيم وزوجته نادية

كان شابًا عشرينيا في مقتبل حياته حينما رآها للمرة الأولى، في منطقة الشرابية، فهي الفتاة البسيطة في حديثها وأسلوبها الذي لفت انتباه إبراهيم شعبان، ليقرر بأن تكون نادية حامد زوجته المستقبلية، ورغم ضيق العيش وقتها، لكنها لم تمنع من زواجهما الذي تم بعد مدة قصيرة من تعارفهما.

في غرفة صغيرة فوق سطوح أحد المباني في منطقة الأميرية، كان عش الزوجية البسيط الذي جمع بين الشابين آنذاك، فوقتها كان يعمل "إبراهيم" مدرسا في إحدى المدارس الابتدائية، ويستكمل يومه بالدروس الخصوصية لتحسين دخله وتوفير حياة كريمة له ولزوجته التي كانت تنتظره بابتسامة طيبة، تزيل عنه هموم يوم ثقيل.

بدأت الحياة تبتسم للزوجين الشابين، آنذاك، وانتقلا للعيش في منزل اشتراه الزوج، الذي تمنى بصحبة زوجته مجيء طفلًا لهما، لكن أحاديث الأطباء لهما كانت صادمة، فمشاكل عانى منها الزوجان كانت سببًا في تأجيل الإنجاب، الذي حدث عقب 15 عامًا من زواجهما: "فضلنا 15 سنة منخلفش.. وكنت بحمد ربنا دايمًا مسبتهاش وروحت اتجوزت.. وكنا دايمًا مع بعض على الحلوة والمرة"، بحسب حديث "شعبان" لـ"هن".

ذاق "شعبان" وزوجته حلاوة الدنيا للمرة الأولى حينما رزقهما الله بابنهما الأول "أحمد" الذي جاء بعد 15 عامًا من اللف على الأطباء والمستشفيات ومن بعده بـ6 أعوام، أنجبا ابنتهما "فاطمة": "كانت فرحة الدنيا كلها لما خلفنا وربنا عوضنا عن صبرنا السنين الطويلة دي".

حياة طيبة عاشتها أسرة "شعبان" في هدوء وحب متبادل بينهما، وتبدلت الأحوال للأفضل فالأب أصبح مديرًا للمدرسة، وظلت الأم البسيطة تعتني بأبنائهما، فهم ثمرة كفاحهما: "ربناهم أحسن تربية.. فخور بتربيتهم.. وعمري مأكلتهم حرام".

ظلت الحياة بوجهها الطيب مع أسرة "شعبان"، لتنقلب الأمور رأسًا على عقب وتحديدًا في العام 2012، فمن هنا تبدأ الابنة فاطمة، الطالبة في كلية التمريض، في الحديث لـ"هن"، عن التعب المفاجئ الذي أصاب والدتها، إذ عرفت الجلطة الطريق إلى مخها: "بشكل مفاجئ جتلها جلطة في المخ.. كانت زعلانة شوية.. نامت صحيت وجلتها الجلطة".

تروي الابنة صاحبة الـ21 عامًا، عن المواقف الإنسانية الذي قدمها والدها لزوجته خلال فترة تعافيها من العلاج من آثار الجلطة التي أصابتها: "بابا كان بيعمل العلاج الطبيعي لماما.. مكنتش بتمشي كويس كان هو اللي بيسندها ويقومها من السرير".

استردت والدتها صحتها بعض الشيء وعادت الأمور لمجراها، حتى جاء عام 2014 حينما لاحظ الأب فقدان وزن زوجته بطريقة ملحوظة، أثار القلق نفسه وبدأ في جولة جديدة بين الأطباء حتى استقر الأمر بإجراء الأشعة: "بقينا داخين عليها من دكاترة القلب للمخ.. وكانوا بيقولنا نوديها لدكتور نفسي نعرف السبب إيه".

مفاجأة قاسية وقعت على رأس "فاطمة" ووالدها حينما استيقظت الأم، صاحبة الـ61 عامًا، دون أن تتذكر أيًا منهما: "فجأة مرة واحدة.. لقتها بتقولنا أنتم مين.. وبابا بيقولها مالك يا أم أحمد.. فقالتله مين أم أحمد دي"، قلق وخوف انتاب الأسرة على حال والدتهم التي باتت لم تتذكر أيًا منهم: "نسيت كل حاجة.. بس كانت فكراني أنا بس".

أخذ "شعبان" زوجته إلى أحد الأطباء الذي أخبرهم بوجود ورم خبيث في المخ: "بابا ساعتها انهار.. كان أكتر واحد فينا منهار بمعنى الكلمة.. والكل بيسأل عليه هو.. خاصة لم الدكتور قال قدامها 6 شهور حد أقصى".

أصيب الأب بانهيار شديد جعله غير مصدق لحديث الطبيب، ليذهب بها إلى مستشفى آخر، وهناك اتضحت النتيجة بأن ما أصاب الزوجة الستينية هو خراج يحتوي بداخله على ورم: "ماما اتحجزت في المستشفى 5 أيام.. ومكنتش لسة فاكرة أي حد.. كان بابا بيغسل البطاطين ويجبلها البامبرز ويبات معها".

دوامة منهكة عاشها الأب طيلة وجود زوجته في المستشفى، فكان يستيقظ في الصباح يذهب عمله بإعطاء الدروس الخصوصية لطلاب المرحلة الابتدائية، ومن ثم تحضير الغذاء لزوجته والعودة للمستشفى حاملًا معه ما تحتاجه، حتى أخبره الأطباء بأن زوجته تحتاج للمكوث داخل العناية المركزة طيلة شهر، الأمر الذي رفضه بشدة: "رفض تدخل العناية.. قال أنا اللي هخدمها وهرعيها.. هي هتتحسن وتعيش معايا.. لو سبتها في العناية هتموت".

تحول الزوج السبعيني لممرض في خدمة زوجته، التي باتت طريحة فراشها: "كان بيجبلها دكتور علاج الطبيعي في البيت.. ويتعلم منه يساعدها ازاي.. وبقى يعمله زيه وكمان يغسلها هدومها ويحضر لها الأكل، ظل الوضع على هذا النحو حتى تحسنت حالة الزوجة الستينية بالفعل، وكانت المفاجأة حينما تمكنت الأم من الوقوف على قدميها من جديد وتحضير وجبة العدس المفضلة لزوجها: "كانت أول مفاجأة لينا.. لما ماما قامت وعملتنا عدس.. أكتر أكلة بابا بيحبها".

بدأت الأم تمارس حياتها بشكل طبيعي بفضل مراعاة زوجها، الذي ظل في خدمتها، حتى عادت الأمور للأسوأ، وذلك حينما عرفت الجلطة مكانها من جديد في مخ والدتها، وكانت النتيجة مكوث الأم في سريرها: "من سنة واحدة.. ماما جتلها جلطتين في المخ.. وبقت ساعات متفتكرناش.. وكمان مبقتش تقدم تتحرك".  

انهيار شديد أصاب الزوج السبعيني على حالة زوجته حبيبته، لكن اليأس لم يعرف الطريق إليه: "مسخر يومه كله ليها.. بيصحى الصبح يفطرها ويديها الدوا.. يحضرلها الغدا.. ويغير لها البامبرز ويعملها تمارين العلاج الطبيعي".

وبصوت يملئه الخوف على حياة حبيبته والأمل في شفائها واستكمال حياتهما سويًا، اختتم الزوج السبعيني حديثه: "هفضل أخدمها طول ما أنا عايش.. كافحت معايا وشالت همي وعمرها ما قصرت معايا".