رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

أخبار من الوطن نيوز

"خيرية".. حكاية نوبية تفرغت لتعليم شباب العاصمة لغة بلادها دون مقابل

كتب: سمر صالح -

08:40 ص | الخميس 17 أكتوبر 2019

خيرية موسى

يعلو صوتها الناطق بكلمات لا يفهمها إلا هي وتلاميذها المصطفون أمامها في انتباه شديد، فيخرج صداه من شرفة الشقة التي تجتمع فيها معهم لتدريس اللغة النوبية القديمة، في إحدى العمارات ذات الطابع المعماري القديم بمنطقة باب اللوق بالوق فيطغى على ضوضاء الشارع، تبدأ معهم بتعليم الأحرف وطريقة الكتابة والنطق خطوة بخطوة كطفل يخطو أولى خطواته لتعلم النطق من والدته -رغم تخطيهم العشرين عاما- منهم من ترجع أصوله إلى أرض الذهب وآخرون لا تربطهم أي علاقة ببلاد النوبة جاءوا إليها ليستفيدوا من عملها كأيقونة نوبية بارزة في الدفاع عن اللغة والعادات والتقاليد.

داخل مقر جمعية "كنداكة" للثقافة والتنمية والمهتمة بإحياء اللغة والتراث النوبي القديم بين أبناء النوبة المقيمين في القاهرة، التقت "الوطن" بالنوبية الستينية خيرية موسى، التي انضمنت إليها كعضو فاعل بها وتكرس ساعات من يومها لإلقاء محاضرات في تعليم أصول اللغة وقواعدها تفرغت إلى ذلك بعد بلوغها سن المعاش، تأثراً بمهنتها كمعلمة مادة الجغرافيا طوال حياتها، وحسب تعبيرها، ما دفعها إلى هو أنها ذلك منذ أن استقرت بصحبة زوجها في القاهرة منذ عام 2000 وهي تلحظ جهلاً تاماً باللغة النوبية القديمة بين الشباب الذي ولد وتربى في العاصمة رغم أن جذور أهله ترجع إلى بلاد الذهب.

المطبخ النوبي: يوم تخصصه لإعداد مأكولات نوبية لممارسة اللغة مع الشباب

غيرتها على لغتها الأصلية التي تربت عليها منذ نشأتها في بلاد النوبة دفعتها إلى التفكير خارج الصندوق في كل ما يمكن فعله لتعليم اللغة بين شباب الجيل الحديث، وحسب روايتها لـ"الوطن" لا تقتصر في تدريس قواعد اللغة على المحاضرات الرسمية أمام السبورة بل خصصت يوماً لما أسمته "مطبخ النوبة" ويكون يوماً كاملاً تقضيه بصحبة طلابها الشباب تعد فيه إحدى الوصفات الشهية والمأكولات الشعبية وتشرح الخطوات بالمقادير وطريقة الطهي باللغة النوبي.

تختلف حياة النوبيين وأبنائهم المقيمين في العاصمة عن حيات أجدادهم في النوبة، وحسبما عاصرت خلال سنوات حياتها حتى المرحلة الجامعية في أسوان، لا تستخدم اللغة النوبية في المحادثات العادية بين أولئك الذين انتقلوا للعيش في العاصمة، ولا توجد محال لبيع الملابس النوبية التراثية حتى داخل البيوت لا تعد السيدات الأكلات الشهيرة في النوبة، وكلها عوامل تحفزها دائما على أن تجمع أبناء النوبيين حولها لتعليهم أصول ثقافتهم ولغتهم الأم.

بيت السيدة النوبية الكائن في منطقة فيصل، كثيراً ما يتحول إلى ساحة لاستضافة تلاميذها الشباب أو كما أسمتهم في حديثها بـ"أبنائي" يتزاورون في المناسبات المختلفة، يستعدون لإطلاق حدث ثقافي معين خاص بهم، أما هي فتحرص على التحاور والحديث باللغة النوبية الأصيلة في بيتها سواء مع زوجها أو مع طلابها من الشباب،" خايفة على لغتنا ولازم نحافظ عليها وعلى حضارتنا عشان تعيش".

 

مسرحيات يؤدي الشباب والأطفال فيها أدوارا مختلفة، يجسدون مشاهد ذات معنى وقيمة بحديث نوبي أصيل مرتدين الجلباب النوبي المميز وغطاء الرأس الشهير بألوانه المتعددة، شكل آخر من أساليب المعلمة المتفرغة لتدريس اللغة إلى الشباب الصغار والأطفال، فهي ترى أن اللغة ممارسة واندماج في المقام الأول ولا تقتصر على التعليم بالورقة والقلم فقط.

على عكس الشائع والمتداول عن اللغة النوبية بأنها تٌنطق ولاتكتب، سعت خيرية ابنة بلدة المحرقة النوبية، إلى دحض هذه الفكرة، وحسب قولها، في العصر الحديث استطاع أحد العلماء اكتشاف حروف خاصة بها، شبيهه في نطقها إلى حروف اللغة الإنجليزية ولكنها ليست هي ولها لهجتين مختلفتين، "زي أي لغة في الأول صعبة وغريبة على اللي بيتعلمها وبعدين بيتعود عليها بسهولة".

تلاميذ "خيرية" ليسوا نوبيين فقط ومنهم جاء حباً في بلاد النوبة

تلاميذ السيدة الستينية ليسوا من أصول نوبية فقط، بعضهم يأتي شغفا بثقافة النوبة وحباً في تعليم لغة أهلها، كان من بينهم منى النشار التي خصصت موضوع رسالتها في الماجستير في دراسة التراث الشعبي للنوبيين في العاصمة، وتعمقت في دراسة اللغة والتراث النوبي الذي وصفته في حديثها لـ"الوطن" بـ"الممتع الذي يستحق الدراسة للحفاظ عليه من الاندثار" ويجب على الأجيال الشابة تعلمه.

بخلاف يوم المطبخ النوبي والمسرحيات تتفاعل الكنداكة النوبية مع طلابها عبر صفحتها الشخصية على موقع فيس بوك من خلال نشر الأمثال الشعبية القديمة الشهيرة بين النوبيين مترجمة بين العربية والنوبية في شكل آخر للحفاظ على التراث النوبي ونشر اللغة بين الأجيال الحديثة، حسب قولها.