رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

أخبار من الوطن نيوز

فتوى المرأة| ما حكم طاعة الوالدين في الأمر بالطلاق

كتب: حاتم سعيد حسن -

07:57 ص | الإثنين 18 فبراير 2019

الطلاق - صورة أرشيفية

ورد تساؤل عن طاعة الوالدين في الأمر بالطلاق عبر الموقع الإلكتروني لدار الإفتاء، ويقول السائل: "أنا متزوج بامرأة أحبها وتحبني ونحن سعداء، ولكن يرغب والديَّ بأن أطلقها، فهل يجب عَليَّ طلاقها؟ وهل رفضي لطلاقها فيه عقوق للوالدين أو عدم برٍّ لهما؟"، ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي. 

وأجابت أمانة الفتوى على التساؤل في فتوى رقم 4153 بتاريخ 10/10/2013 قائلة:

"وردت في هذه الـمسألة آثار منها ما أخرجه الحاكم في "المستدرك" وصححه عن حمزة بن عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما قال: كانت تحت ابن عمر امرأته، وكان يعجب بـها، وكان عمر يكرهها، فقال له: طلّقها، فأبى، فذكرها ابن عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَطِعْ أَبَاكَ وَطَلِّقْهَا».

وجاء في "مصنف ابن أبي شيبة" عن أبي طلحة الأسدي قال: كنت جالسًا عند ابن عباس رضي الله عنهما، فأتاه أعرابيان فاكتنفاه، فقال أحدهما: إني كنت أبغي إبلًا لي، فنزلت بقومٍ، فأعجبتني فتاةٌ لـهم فتزوجتُها، فحلف أبواي أن لا يَضُمَّاهَا أبدًا، وحلف الفتى فقال: عليه ألف محرر وألف هدية وألف بدنة إن طلقها، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما أنا بالذي آمرك أن تطلق امرأتك، ولا أن تعق والديك"، قال: فما أصنع بـهذه الـمرأة؟ قال: "ابرر والديك".

وفيه عن أبي عبد الرحمن قال: كان من الحي فتًى في بيت لم تزل به أمه حتى زوجته ابنة عمٍّ له فعلق منها معلقًا، ثم قالت له أمه: طلقها، فقال: لا أستطيع، علقت مني ما لا أستطيع أن أطلقها معه، قالت: فطعامك وشرابك عَليَّ حرام حتى تُطلقها، فرحل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه إلى الشام فذكر له شأنه، فقال: "ما أنا بالذي آمرك أن تطلق امرأتك، ولا أنا بالذي آمرك أن تعق والديك".

وورود هذه الآثار أبرزَ إشكالًا أقرَّ به الإمام الطحاوي الحنفي؛ حيث وضعها في كتابه "مشكل الآثار" (1/ 419، ط. مؤسسة الرسالة)، فأثبت أن أبا الدرداء نفسه أشكل عليه الأمر في هذه الـمسألة؛ فقال: [قال أبو جعفر: قد كان هذا الـمعنى أشكل على أبي الدرداء رضي الله عنه، حتى قال في ذلك لمن سأله عنه ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال حدثنا أبو حذيفة موسى ابن مسعود، قال حدثنا سفيان الثوري، قال حدثنا عطاء وهو ابن السائب، قال حدثني أبو عبدالرحمن السلمي، قال: إن رجلًا منَّا أمرته أمه أن يتزوج، فلمَّا تزوج أمرته أن يفارقها، فارتـحل إلى أبي الدرداء فسأله عن ذلك، فقال: ما أنا بالذي آمرك أن تطلق، وما أنا بالذي آمرك أن تـمسك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الوالدةُ أوسطُ بابِ الجنةِ فاحفظ ذلك الباب أو ضيع» أو كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الشك من ابن مرزوق. قال أبو جعفر: فوقفنا بذلك على أن أبا الدرداء رضي الله عنه أشكل عليه الجواب فيما سئل عنه من هذا. فكان جوابه في ذلك جوابًا لم يقطع فيه شيءٌ مِن إمساكٍ ومِن فراق، فنظرنا هل روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء فيه حقيقة الواجب في هذا الـمعنى ما هي؟] اهـ.وقد ذهب الشافعية إلى كراهة طاعة الوالدين في الطلاق إن كان هناك تعنت؛ قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري "أسنى الـمطالب" (3/ 264، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويستحب الطلاق لخوف تقصيره) في حقها لبغض أو غيره، (أو لعدم عفتها) بأن لا تكون عفيفة، وألحق به ابن الرفعة طلاق الولد إذا أمره به والده، وهو ظاهر إذا أمره به لا لتعنت ونحوه، (ويكره عند سلامة الحال)؛ لخبر: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ أَبْغَضَ إلَى اللهِ مِنْ الطَّلَاقِ».] اهـ.أما الحنابلة: فنراهم مصرحين بعدم الطاعة إلا أن يكون الأب الآمر من الصالحين والأتقياء؛ نقل الشيخ ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5/ 491، ط. دار الكتب العلمية) كلام الإمام أحمد فقال: [كلام أحمد في وجوب طلاق الزوجة بأمر الأب مقيدٌ بصلاح الأب] اهـ.

وذهب الشيخ ابن تيمية إلى حرمة طاعة الابن لوالديه في طلاق زوجته، خاصةً إن كان له منها أبناء؛ جاء في "الفتاوى الكبرى" (3/ 331): [مسألة: في رجل متزوج وله أولاد، ووالدته تكره الزوجة وتشير عليه بطلاقها، هل يجوز له طلاقها؟ الجواب: لا يحل له أن يطلقها لقول أمه، بل عليه أن يبرَّ أمه، وليس تطليق امرأته من برها والله أعلم] اهـ.وذهب العلامة ابن مفلح إلى أنه لا تجب طاعة أبويه في الطلاق؛ فقال في "الفروع" (5/ 363، ط. عالم الكتب) ما نصه: [فإن أمَرَتهُ أمُّهُ فَنصُّهُ: لا يُعْجِبُنِي طَلاقُهُ، وَمَنَعَهُ شَيْخُنَا مِنْهُ، وَنَصَّ فِي بَيْعِ السَّرِيَّةِ: إنْ خِفْت عَلَى نَفْسِك فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَكَذَا نَصَّ فِيمَا إذَا مَنَعَاهُ مِنْ التَّزْوِيجِ] اهـ.وفي "الآداب الشرعية" أيضًا (1/ 446، ط. عالم الكتب) نقل عن ابن تيمية، قوله إنه: [لَيسَ للوَالِديْنِ إلْزَامُ الولَدِ بِنكَاحِ مَن لا يُريد، وأنَّه إذا امتنعَ لا يَكُون عَاقًّا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَهُ بِأَكْلِ مَا يَنْفِرُ طَبْعُهُ عَنْهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَكْلِ مَا تَشْتَهِيه نَفْسُهُ كَانَ النِّكَاحُ بِذَلِكَ أَوْلَى، فَإِنَّ أَكْلَ الْمَكْرُوهِ مَرَارَةُ سَاعَةٍ، وَعِشْرَةُ الْمَكْرُوهِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى طُولٍ يُؤْذِي صَاحِبَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ فِرَاقُهُ] اهـ.وأكَّد ذلك ما ذكره البهوتي حيث قال في "دقائق أولي النهى" (3/ 74، ط. عالم الكتب) ما نصه: [(ولا يجب) على ابن (طاعة أبويه) ولو كانا (عدلين في طلاق) زوجته؛ لأنه ليس من البرِّ (أو) أي: ولا يجب على ولد طاعة أبويه في (منع من تزويج) نصًّا لما سبق] اهـ.قال صاحب "غذاء الألباب" (1/ 447، ط. مؤسسة الرسالة): [قال في "الآداب الكبرى": فإن أمره أبوه بطلاق امرأته لم يجب. ذكره أكثر الأصحاب.

وسأل رجل الإمام رضي الله عنه فقال إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي، قال لا تطلقها. قال أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته؟ قال حتى يكون أبوك مثل عمر رضي الله عنه] اهـ.وذهب ابن أطفيش الإباضي في "شرح النيل وشفاء العليل" (5/ 22، ط. مكتبة الإرشاد): أن الابن غير ملزم بطلاق زوجته إذا ما طلب منه أبواه أو أحدهما هذا حيث قال: [إن نذر بطلاق زوجته أو طلبه أبواه إليه لم يلزمه الوفاء به، ولا يضيق عليه أن يطيعهما فيه] اهـ.

وبناءً على ما سبق ذكره وفي واقعة السؤال: فإنه ليس من البرِّ طاعة الوالدين في طلاق الزوجة وهدم البيت، ولا يجب على الابن أن يطيع والديه في ذلك، وعليه أن يتلطف بـهما ولا ينهرهما، ويتحايل في أمره بما يحقق المصلحة لنفسه وأهله ولا يغضب والديه، فليس في عدم طاعتهما في ذلك جواز الإساءة إليهما، فالإساءة محرمةٌ على كل حال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.