كتب: نرمين عزت -
05:51 ص | الأربعاء 01 نوفمبر 2023
لم تؤثر أصوات القصف ولا الدمار من حولهن على رغبتهن في خبز آخر لقمة عيش سواء في الحياة أو في المكان الآمن الذي يعيشن فيه مؤقتًا، فالجدات اللاجئات في مخيم جباليا المنكوب، الذي يعاني من القصف المتكرر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، يحتفظن بتراثهن والأطعمة التي تربين عليها في بلدانهن القديمة في مخيم اللاجئين، ويستعدن ذكرياتهن في بلداتهن الأصلية من خلال الخبز الشامي أو المفتول والكشك، وكذلك العديد من الأكلات التي تخطى عمرها عمر جيش الاحتلال.
من قرية المسمية هاجرت الجدة الخمسينية نجية ياجي إلى مخيم جباليا في شمال غزة الذي يضم المئات غيرها، وهناك لم تنسَ حياتها في قريتها القديمة بحسب حديثها لإحدى الصحف الفلسطينية، والتي روت وهي تستعيد ذكرياتها وحياتها التي تحولت رأسًا على عقب، في الماضي كانت «نجية» في غنى عن شراء الخضار والإحتياجات من الأسواق، كان لدى عائلتها قطعة أرض مليئة بالخيرات التي تؤمن مطالبهن: «الله يرحمك يا عمي لو كان موجود، مكناش نحتاج للخضار من السوق، أنا ما كنت مولودة أيام النكبة، لكن عمي خبرني، كانوا يزرعون أراضيهم ويأكلون من خيرها»، موضحة أن الخضار الذي كانوا يزرعونه له طعم ولون ورائحة لا تقارن بما يُباع اليوم في الأسواق.
كان الحنين للماضي هو ما يطغى على حديثها عندما تذكرت الخيرات التي كان أهلها يعيشون فيها والنعم التي لا تحصى: «كان عمي يطلب مني أن أخبز له على الطابون، وعلمني كيف أروب اللبن، لأنه لم يحبه جاهزاً يوماً، حينما كنت أتذمر من سرعة استهلاك الأولاد للخبز، كان عمي يقول لي زمان كانت ست البيت تعجن وتخبز 3 مرات في اليوم، بعدد الوجبات»، وروت كيف كانت قريتها تعيش في الماضي واعتمادهم قديماً على الزراعة وتربية الدواجن والأبقار:«أهالي المسمية لم يعرفوا البيع أو الشراء، حيث كانوا يتبادلون فيما بينهم الخضار والأطعمة التي لا تتوافر في بيوتهم وأراضيهم، بينما يجدونها لدى بعض أهالي القرية».
وحتى تحافظ كل سيدة في مخيم جباليا يطهين المأكولات الشهيرة حتى لا تندثر، منها أكلات أقدم من عمر الاحتلال الإسرائيلي بحد وصف السيدة التي قالت: «في أكلات قديمة بطبخها باستمرار زي المفتول والكشك والدجاج المشوي والملوخية».
أما المسنة أم محمد الغماري، 70 عاماً، وهي لاجئة من قرية كوفخة وتعيش في حي الشجاعية بغزة، تفضل هي الأخرى المأكولات القديمة، بالرغم من أن عائلتها وأحفادها لا يفضلون ذلك، وتروي أنها كانت تبلغ من العمر 5 سنوات حين هاجر أهلها من كوفخة: «حملني أبي على كتفه اليمنى، وحمل صرة الملابس على كتفه الأخرى، وخلّفنا وراءنا جنات مزروعة بعرق والداي»، وتقول إنها ما زالت تتناول الأطعمة القديمة التي تحبها وتشتهيها كالفقيعة والسلق والعدس، والفول والبسارة، كما أشارت إلى تفضيلها للطعام المطهو على النار، بينما لا تحبذ المطهو على الغاز وباقي الأساليب الحديثة.