كتب: سمر صالح -
04:45 م | الأحد 29 مايو 2022
قبل نحو عشرين عاما انفصلت «لواحظ محمد» عن زوجها وتحملت بمفردها مسؤولية خمسة أبناء صغار في أعمار متفاوتة، مبكرًا وقبل أن ترى من الحياة نعيمها، بدأت رحلة الأم الخمسينية مع «الشقا» لا حيلة لها ولا مورد رزق يسد أفواه صغارها، طرقت أبواب أصحاب الأشغال المتاحة أمامها لم تترك مهنة إلا وعملت بها، أجبرتها ظروفها الصعبة إلى التخلي عن أنوثتها قليلا لملء بطون أبنائها.
وسط العاملين في مؤسسة أحلام اسطبل عنتر، وجدت «لواحظ» أو«أم ماهر» كما تُعرف بين الجميع، مستقرا لها، ارتضت العمل كعاملة نظافة وبين فريق الطباخين بمطبخ المؤسسة المجتمعية، لكسب قوتها وقوت أبناءها، عرفها الجميع بإخلاصها في العمل ومعاملة طلاب المدرسة المجتمعية برفق.
«فجأة جوزي سابنا ومشي من غير ما أعرف مكانه ولا حتى طلقني، لقيت نفسي لوحدي ومسؤولة عن 5 عيال ولا ليا حد غير ربنا كان لازم أنزل وأشتغل وأتعب عشان أعرف أعيش»، بلهجتها الصعيدية، حيث ترجع أصولها إلى صعيد مصر، تحدثت الأم لـ«الوطن» من داخل مطبخ المؤسسة بينما كانت منشغلة بإعداد وجبة إطعام شهية للطلاب، بحسب مهام عملها.
مسافة تقدر بساعة كاملة تقريبا تقطعها الأم من محل إقامتها البسيط، حتى تصل إلى المدرسة المجتمعية، ومن حيث استقر«التوكتوك» الذي تستقله إلى مكان العمل، تبدأ جولتها بين الفصول تتولى أمور نظافتها مبكرا وقبل أن يحضر الطلاب، ولا مانع من مساعدة أحد الطلاب في شئ تستطيعه، ثم تتجه صوب الدور الأخير، حيث المطبخ، تلقي التحية على السيدات العاملات به، وتنخرط معهم في تنضيف الخضار وطهي الطعام، تتناسى أمام حرارة الفرن همومها، ولو كانت وقتا قليلا.
مرت الأيام والسنين، رغم صعوبتها، ونجحت الأم المعيلة في تزويج اثنين من بناتها، «أديت رسالتي مع اتنين منهم ومكملة عشان الباقيين، بشتغل أي حاجة طالما حلال» تقول الأم بصوت فخور بعملها وكفاحها، بعد اختفاء الأب الذي عاد من جديد قبل سنوات قليلة، «ظهر في حياتنا تاني فجأة بعد سنين غياب بس اخترت أكمل طريقي زي مانا لوحدي»، فاختارت أن تكمل طريقها كما هو، تردد همسًا أذكارا ودعاءً لاينقطع تتضرع إلى الله طلبا لتيسير كل يوم.
أومأت الأم، برأسها لإحدى زملائها بالمطبخ، مطالبة إيَّاها بمساعدتها لتستريح قليلا، التهبت كُفوفها من تنظيف الخضار وتداعت عظام الكتف والظهر في جسدها، ولكن ما أحب الشقاء على قلبها عن «الحوجة» لأحد، بحسب تعبيرها، جلست تروي لـ«الوطن» عن حلمها الوحيد، «نفسي أكمل رسالتي مع باقي ولادي ومحتاجش لأي حد».