كتب: سمر صالح -
04:52 م | السبت 05 مارس 2022
عالمها الصغير داخل غرفتها يمتلئ بأحلام تضاهي عشرات الموهوبين في مثل عمرها، لم تستلم لإعاقتها كونها من مصابي متلازمة داون، وأصرت على أن تحقق طموحها وكيانها الخاص وليس مثل بقية أقرانها الذين أجبرهم المرض على العزلة والابتعاد عن الأنظار، لتتحول «آية» إلى بطلة في ألعاب القوى وتحصد الكثير من الجوائز.
قبل أن تبلغ الخامسة من عمرها، خاضت «آية حامد» صاحبة متلازمة داون، حربا شريفة بدعم من والدتها، من أجل الحصول على مقعد لها في المدارس العادية بنظام الدمج، بعيدا عن مدارس التربية الفكرية إيمانا بقدرتها على التحدي، فهي وحسب حديث والدتها «نسرين» خلال لقاء «الوطن» بها، اجتازت تدريبات متفاوتة في التخاطب وتعلم الحروف الأبجدية: «مدرسينها في ابتدائي لاحظوا قدرتها العقلية واستيعابها، فكملت سنوات دراستها كلها حتى المرحلة الثانوية في المدارس العادية بنظام الدمج».
لم ترهب «آية» صاحبة الـ27 عاما، الالتحاق بالجامعة رغم محاولات البعض دحض الفكرة داخلها لاعتقادهم أنها لن تقدر عليها لظروفه الخاصة، إلا أنها أثبتت كفاءتها في قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، وتخرجت عام 2018 بتقدير جيد: «كنت بحب صحابي والدكاترة في الجامعة كانوا متعاونين معايا في الشرح والامتحانات»، بحسب تعبير «آية».
انتهت احتفالات أسرتها بتخرجها في كلية الآداب بعد فترة من التخرج، واستلمت شهادتها التي وضعتها أمام عينيها دوما لاستكمال حلمها، لم تحصر حياتها داخل جدران غرفتها التي وصفتها والدتها بـ«ورشة صغيرة» لتنفيذ بعض المشغولات اليدوية التي تهواها وتبدع فيها، بل قررت الفتاة العشرينية أن تبحث عن عمل خاص بها حتى عُينت موظفة إدارية في النادي الرياضي «15 مايو» قبل نحو ثلاث سنوات، وكسرت رهبتها من الخروج إلى سوق العمل، أملا في حياة جديدة ذات هدف محدد بعيدا عن «الأربع حيطان»، بحسب تعبيرها.
لم يكن طريق العمل ممهدا بحرير مفروش، واجهتها صعوبات أولية في التعامل مع البعض: «أول ما نزلت الشغل في البداية قابلت ناس كتير بعضهم مكنش متقبل وجودي، وغيرهم وقفوا جنبي وعلموني كل حاجة»، أحبت «آية» مكان عملها ولم تتكاسل عن الحضور يوما واحد، وكانت تتولى كتابة الأمور الإدارية في النادي مثل ترتيب جدول الإجازات للعاملين وغيرها من الشؤون الإدارية: «لو في يوم تعبانة ومش قادرة، لازم تنزل الشغل برضو من حبها في مديرينها»، بحسب قول الأم «نسرين»، التي تصطحبها صباح كل يوم إلى مقر النادي وتعود إليها عصرا في موعد العودة: «بخاف عليها تروح في الطريق لوحدها، والحمدلله مديريني في الشغل مقدرين ظروفي ومستاهلين معايا في المواعيد».
إنجازات «آية» التي كسرت الفكرة النمطية المعروفة عن أصحاب متلازمة داون، لم تتوقف عند حصولها على ليسانس آداب جامعة القاهرة أو العمل في وظيفة إدارية، أو الإبداع في تطريز المشغولات اليدوية، إذ حصدت العديد من الميداليات في ألعاب القوى كالجري ورمي الرمح وتفوقت على الكثير من أبناء جيلها: «من صغري اتعلمت إن اللي عندي مش إعاقة ولا يمنعني من النجاح والمحاولة»، هكذا وصفت الفتاة العشرينية رحلتها في قهر الصعاب بدعم أسرتها.