رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

«إلينا» حاربت عنف والدها الجسدي والجنسي بالاستقلال الآمن.. «أنتي متستحقيش الأذى»

كتب: آية المليجى -

02:04 م | الخميس 25 نوفمبر 2021

العنف الأسري الجسدي والجنسي - تعبيرية

انتهت من دروس الموسيقى بالكلية، التى طالما حلمت بدخولها، لتعليم الأطفال تلك اللغة الروحية المحببة إليها، والتعبير عن أنفسهم بنغماتها، تخطو بأنفاس متهدجة نحو منزلها، التي باتت جدرانه كسجن حديدي، يستقبلها الأب بغضبه المعتاد، وعلى أتفه الأسباب يعتدي عليها بالضرب، ويفرض عليها الحبس المنزلي، مشهد بات محفور في ذاكرة «إلينا. ع»، رغم أوجاعه، لكنه يزيد من إصرارها على التمسك بنجاح حققته، بخروج من دائرة العنف والنجاة بنفسها.

من خارج دائرة العنف، وفي منزل جديد اختارته «إلينا» وطنا لها، روت الفتاة صاحبة الـ22 عامًا من عمرها، مشاهد العنف التي تلقتها من والدها، منذ أن وعت على الدنيا، البداية من قسوة واعتداء جسدي، والنهاية كانت مع العنف الجنسي «بابا كان بيتحرش بيا»، بحسب حديثها لـ«هن».

حبس منزلي وضرب مبرح

عادت «إلينا» بذكراتها للوراء، فهي الطفلة التي تعلقت بحب جدتها لأمها، أحبت العيش بين أحضانها، ليقابلها الأب بمزيد من العنف، ويحرمها من رؤيتها، ومع بكائها المستمر كان الوقوف على سلم المنزل لساعات طوال عقابه المفضل لها، وهي طالبة المرحلة الإعدادية التي استمع والدها لمكالمة لها مع زميل بالفصل، فاستشاط غضبا، واعتدى عليها بالضرب فارضا عليها الحبس المنزلي، داخل غرفتها لمدة تجاوزت الشهر: «مكانش مسموح إني أروح امتحانات الشهر».

مشاهد العنف ظلت مستمرة مع الفتاة كلما كبرت، ففي الثانوية ذاقت من العذاب والعنف أشكاله المرعبة، وحفر الضرب آثاره على جسدها، وحاولت الانتحار، ورغم أنها باءت بالفشل، لكنها أدخلت مزيد من العنف والشكوك في نفس والدها، تجاه سلوكها الأخلاقي، بحسب قولها.

التحرش الجنسي آخر ما ذاقته

أدركت «إلينا» من أحاديث والدتها، التي عملت إخصائية اجتماعية، بأن ما يحدث هو «حبس منزلي»، لكن ما باليد حيلة، فوالدتها هي الأخرى، لاقت المصير ذاته، مشاهد العنف التي عاشتها، لم تقف عند حد الضرب والتعنيف، لكن لمسات مريبة من والدها، أسكنت الفزع بقلبها: «بدأ يتحرش بيا».

حاولت الفتاة تكذيب نفسها، لكن الفعل الدنيء تكرر مرات ومرات، حتى تملكتها الشجاعة وقررت فضح أمره أمام الجميع، إلا أنها تلقت صدمة كبيرة في رد الفعل: «محدش صدقني وكل العيلة كانت سلبية معايا»، ليسقيها الأب مزيدا من العنف: «فضل حابسني في الأوضة، كنت بخاف أطلع منها، واللي كنت بستنجد بيهم من عيلتي، كنت بسمعهم يقولوا مش هنخاف عليها أكتر من أبوها».

محاولات للاستقلال والهروب من دائرة العنف

خيبة أمل كبرى أصابت «إلينا»، لكن قادتها لحل آخر: «كان بداية إني لازم أخرج من البيت، محتاجة أكون صاحبة سلطة على نفسي»، اتجهت الصغيرة للعمل عبر الإنترنت في استيراد وبيع منتجات التجميل، وجنت من المال ما جعلها تفكر في الاستقلال والخروج بوالدتها من السجن الموحش: «كنا في بداية 2020، خدت بيت صغير كان غير آدمي، بس بالنسبالي أريح وأهون، مكانش لسه استقلال تام، كنت ما بينه وبين البيت، كان فاهم أنه بس للشغل».

عقب مرور أشهر معدودة أقنعت الفتاة، والداتها بضرورة الطلاق والذهاب معها، حيث منزل آمن، تتحمل فيه مسؤوليتها والإنفاق عليها من مكسبها الخاص: «جت فعلا وقعدت معايا فترة، هربنا منه، كانت شايفة إني مصدر آمان ليها، بس 6 شهور ورجعتله»، وكانت تلك اللحظة، بمثابة الخطوة الحاسمة في حياة الفتاة، التي تحاول الهروب من العنف، فالأب أيقن خروج ابنته للأبد: «عدم رجوعي مع أمي للبيت، كان الاستقلال التام، كان كل همي أنه ميعرفش مكاني، وسبت الكلية اللي بحبها، عشان ميعرفش يوصلي، مكملتش تعليمي الجامعي».

صعوبات ومعاناة طويلة باتت تلاحقها في الاستقلال المادي، وكيفية إدارة مشروعها الخاص، وتدبير رأس ماله: «الاستقلال مش سهل، لازم طول الوقت نحوش فلوس» وبعد فترة تمكنت من فتح مركز تجميل صغير، ومنه كان أيضا مكان نومها: «فتحته وكنت بنام فيه برضوا، وبعد شوية اتقفل».

سنتر تجميل لتأمين الاستقلال

لأكثر من عام، تحاول «إلينا» تأسيس براند خاص يحمل اسمها في عالم التجميل، يمكنها من خلاله، الاعتماد على نفسها بشكل كاف: «كنت بستلف وأشتغل بيهم، وأسدد الفلوس، لغاية ما صحبتي ادتني مبلغ هو اللي قدرت أبدأ بيه».

وما زالت تسير في الخطوات القانونية، لتأسيس البراند باسمها، حتى تمارس مجال أحبته ودرسته من خلال دورات تعليمية بحرية تامة: «لسه ماشية في تصاريح البراند والمركز، لكن بقدر أعمل جلسات الليزر وتنضيف البشرة والتجميل».

بعيدًا عن منزل الأب، تنفست الفتاة التي كبرت قبل أوانها الحرية: «أنا بقيت حرة، مش خايفة حتى أطلع من أوضتي»، لكن ما زالت تتواصل مع والدتها، فهي بالنسبة لها نقطة الضعف الوحيدة: «بشوفها كل كام شهر، مقدرش أعيش من غيرها، وأخويا كمان بتواصل معاه، وبابا بيحاول يتواصل معايا دايما، لكني بهرب منه، بيحاول يرجعني لكن استحالة أرجع».

اعتمدي على نفسك واطلعي بره دايرة العنف

«أنتي مستحقيش الأذى، اتعلمي واعتمدي على نفسك، ادرسي واشتغلي وحوشي واتعلمي لغة، لازم تطلعي بره دايرة العنف، وافتحي لنفسك باب، الاستقلال مش سهل ومش أمان، بس مش طبيعي نكون خايفين وإحنا في وسط أهلنا، متتخليش عن نفسك»، رسالة بنبرة قوية وجهتها «إلينا» لكل الفتيات اللائي ما زالن يعانين العنف.