في كل مرة تُرصد خطواتها، تشعر بشخصٍ يُلاحقها، تُغير مسارها لتمنع تعرضها لشرٍ هي في غنى عنه، لكن سائق الـ«توك توك» بالمرج تمادى في مضايقتها لدرجة وصلت إلى حد التحرش اللفظي، في وقتٍ انتفضت فيه منصَّات التواصل الاجتماعي مع كل حادث تحرش.

قررت «مريم»، الطالبة الجامعية، كسر حاجز الخوف والتصدي له، والإبلاغ عن سائق الـ«توك توك» المتحرش، الذي تعرض لها أكثر من مرة، فهي لم تسلم من لسانه، فأينما يراها في الطريق يسعى لها، ويقذفها بوابلٍ من الألفاظ النابية.

تحملت الطالبة كثيرًا لكن ضاق بها الصبر، لتخرج عن صمتها، وتُوجه له بعض الإهانات؛ ليتوقف عن مضايقتها، لكنها تفاجأت به يخلع حذائه ليضربها على وجهها، تجمع المارة حولهما وبدلا من مساعدتها وتسليمه إلى مركز الشرطة، حاولوا إبعاده عن مكان الواقعة، ما دفعها إلى التوجه لمركز الشرطة لتحرير محضر ضده.

«مريم» واحدة بين المئات من أقرانها اللائي يتعرضن لـ«التحرش»، حيث تعرض نحو 4448 امرأة للتحرش خلال الفترة من 2015- 2019، بحسب إحصائيات مركز «دفتر أحوال»، الذي استند إليها بحسب ما نشر في الصحف والمواقع من أحداث وبلاغات قُدمت في هذا الشأن.

«انتفاضة تشريعية»

في الحادي عشر من يوليو بالعام الجاري، اتخذت مصر خطوة مهمة في سبيل القضاء على واحدة من أخطر آفات المجتمع، فقد وافق مجلس النواب نهائيًا، في جلسة وُصفت بـ«التاريخية»، على تغليظ العقوبة المفروضة على مرتكبي جرائم التحرش، ويتغير توصيف الجريمة من «جنحة» إلى «جناية»، وأصبح الحد الأدنى للعقوبة عامين سجناً بدلاً من عام ونصف، تتضاعف إلى 7 سنوات كحدٍ أدنى، إذا ما اقترن الجُرم بحمل سلاحٍ، أو اشتراك أكثر من شخص في تحرشٍ جماعي، أو إذا كان المتحرش يملك سلطة وظيفية أو غيرها على المرأة.

ترصد «الوطن» خلال التقرير التالي، وقائع التحرش الجنسي التي حدثت في مصر خلال الفترة من 2015- 2019.

في عام 2015 سجلت مصر نحو 1184 حالة تحرش، لكن في عام 2016 بدأ منحنى التحرش ينخفض وقل نسبة التحرش نحو 18%، بـ966 حالة، وفي عام 2017 انخفضت النسبة نحو 14% عن العام الذي سبقه حيث وصلت عدد الحالات إلى 829 حالة، بعد إجراء تشريعي حدث في الثاني من يناير عام 2017، بعدما أقر البرلمان بالإجماع، مشروع قانون مقدم من النائبة سوزي ناشد، حينها، بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية التي تخص «التحرش»، بمعاقبة الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه.

زيادة معدلات التحرش في 2018.. وبـ2019 تنحصر

شهدت نسب التحرش ارتفاع كبيرا وصل إلى 1265 حالة، بزياة نحو 50% عن العام السابق، بعدما بدأ المؤشر ينخفض، وبالبحث تبين أن هذا الارتفاع المفاجئ في عدد الحالات، حدث بعد تصوير «فتاة التجمع» لواقعة التحرش بها، إلى جانب ظهور هاشتاج Me_too# «أنا أيضا» في مصر وانتشاره في أواخر عام 2017 وبداية عام 2018، فشاركت كل فتاة تعرضت إلى تلك الظاهرة فيه لتلقى الدعم للإبلاغ عن المتحرشين.

وفي عام 2019، انخفضت نسبة التحرش بشكل ملحوظ بنسبة بلغت 84% عن عام 2018، بعد وقائع فضح المتحرشين على منصات التواصل الاجتماعي وتحرير محاضر ضدهم واتخاذ إجراءات ضدهم وحصول فتاة على أول حكم ضد متحرش، وبغلت حالات التحرش وقتها نحو 204 حالات.

نسب التحرش في المناسبات ودونها خلال الفترة من 2015-2019

سجلت القاهرة الكبرى، خلال الفترة من 2015 حتى 2019 أعلى نسبة تحرش بلغت 21%، مقسمة على 491 حالة بنسبة 11% في أسبوع عيد الفطر، و447 حالة دون مناسبة بنسبة 10%، وفي الإسكندرية سجلت نحو 38.5% حيث شهدت في أسبوع عيد الأضحى 303 حالات بنسبة 6.8%، مسجلة أعلى نسبة في التحرش دون مناسبة بـ1412 حالة بلغت 31.7%، وكذا القناة 467 حالة تحرش دون مناسبة بنسبة 10.4%، وجنوب وشمال الصعيد 124 بنسبة 2.7%، و136 بنسبة 3% حالة على الترتيب.

وعن أماكن التحرش، شهدت مصر نحو 4039 حالة في الطرق العامة، جاءت كالتالي: «1100 في 2015، و873 في 2016، و700 حالة في 2017، و1204 حالات في 2018، و162 حالة في 2019».

إجراءات البرلمان الجديدة بتشديد عقوبة المتحرشين في العام الحالي، دفعت الطالبة «مريم» للثبات على موقفها والتوجه إلى مركز شرطة المرج، وتحرير محضر ضد السائق المتهم بالتحرش، وسط إصرار منها على الاستمرار في قضيتها والدفاع عن حقها، حتى ينال عقابه ويزج به في السجن، وتستعيد شعورها بالاطمئنان.