رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

بائعات الورد في المقابر.. ألوان متناثرة وسط السواد (صور)

كتب: روان مسعد -

08:15 م | الجمعة 16 يوليو 2021

بائعات الورد في المقابر

على طول الطريق يزين الشارع المرصوف حديثا، يكسرن الرمادي والأبيض بالأسود الصريح، يتناثرن وتتداخل معهن ألوانا زاهية، لتعطي منظرا مبهجا لمكان الموت، هن بائعات الورد على المقابر، يشكلن لوحة فنية متضادة بين الحياة المتمثلة في الزهور، والموت القابع في القبور، يتلحفن بالسواد احتراما وهيبة للأموات، الذين يبيعون إكراما لهم الزهور التي توضع على الضريح فينبض بالحياة من جديد، في لفتة إنسانية مبهجة من أهل الميت، بها بائعات الورود هن بطلات المشهد، اللائي يأتين لأكل العيش وإضافة البهجة.

يوم الخميس والجمعة من كل أسبوع، ترتص بائعات الورد على جانبي الطريق، تبيعن بضاعة لا تنضب إلا مع الأيام، تأتين من كل صوب على طول شارع صلاح سالم، وصولا إلى الأوتوستراد، تتخذن من الشارع أو الرصيف مجلسا لهن، بمجرد رؤية أحد المارة يلوحون له ترحيبا، حتى وإن لم يشتر، ومن في السيارات أيضا ينوبهم من الترحيب جانبا، مع ابتسامة عريضة، جنبا إلى جنب مع المتسولات، تجلسن تتسامرن، تبيعن الورود، وتعملن باجتهاد.

تتوارث أجيال تلك المهنة سواء من الجدة، الخالة أو الأم، جيمعهن يتشربن بيع الورد منذ الصغر، يرون كيف ينسق، ويوضع داخل بوكيه من الأشجار والأوراق النضرة، ومن يد بائعة الورد إلى الضريح، تصبح الورود هي الهدية المادية الوحيدة التي يمكن إعطائها للميت، لهذا تستمر تلك البائعات في تواجدهن بأماكن المقابر، فالزائر زبون مضمون، خاصة في يومي الجمعة والخميس.. «الوطن» تجولت فجر يوم الجمعة حول المقابر، واستطلعت أمور هؤلاء السيدات، فوجدت خلف كل وردة حكاية.

تحكي شفيقة محمد، من خلف أسنان أكلها العمر، فأصبحت حروفها مبتورة، أنها قضت في مقابر باب الشعرية، سنوات عمرها الكثيرة حتى بلغت 63 عاما، حيث كان بيع الورد هو الأساسي مع أشغال أخرى تتغير، تفترش الرصيف محاطة بهالة كبيرة من الورود، وأوراق الشجر، والزعف، والدبارة، أدوات الشغل، ومنه تصنع باقة من الزهور تصلح للاستقرار فوق ضريح الميت.

40 عاما مرت على الحاجة شفيقة، وهي تبيع الورود، إذ طلقت من زوجها في شبابها، وكان عليها أن تصرف على أطفالها، الورد هو أكل عيشها كما تحب وصفه، فقد ورثت تلك المهنة عن عمتها، التي تتاجر في الورود، ووجدت نساء عائلتها تبيعه: «بنت عمي، وخالتي، وده شغلتي الأساسية، وبساعد في السجاد، والبيوت، ماليش شغلانة أساسية، لكن الورد لازم أنزل كل جمعة وكل خميس، دلوقتي بصرف على ولادي وولاد بناتي، كله من الورد»، بحسب حديثها لـ«الوطن».

بـ10 جنيهات فقط، تنسق دعاء، البالغة من العمر 35 عاما، باقة الورود، تضع زعف النخيل، ثم فروع الأشجار، وتنتهي بالورود، ثم تربط الكل في دبارة واحدة، ليتمكن الزائر من الإمساك بباقة الزهور من الزعف، تفترش دعاء المقابر منذ 5 سنوات: «باجي خميس وجمعة بس، عشان باقي الأسبوع مفيش شغل».

ورثت دعاء، تلك الشغلانة عن والدتها بعد وفاتها، التي ورثتها بدورها عن الجدة، والخالة، وابنة الخالة، كل نساء العائلة يعملن في بيع الورد، تروي لـ«الوطن»: «بعد ما أمي اتوفت جوزي عمل حادثة كبيرة في رجله ومبقاش بيتحرك، فطبعا كان لازم أنزل وأشتغل، أنا مصاريفي كتير ومعايا بنتين كبار، وكان في مصاريف مدارس، ومسؤولية كبيرة، فلازم أنزل أبيع الورد، بعد ما جوزي وصل نسبة العجز عنده 85%».

عكس شفيقة تعمل دعاء في بيع الورد فقط، بعدما ورثته، تأتي في كل خميس وجمعة لنفس المكان، وتنتظر شاب يحضر لها الورود من بشتيل: «بجيب الجريد من القناطر، والورد من بشتيل، وحد بيجي يقطعلي الخضرة وياخد حقها»، ثم تجلس لبيع الورد لتصرف على أولادها، وتعلمهم جيدا.