رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

مصطفى أول مصاب كورونا من ذوي الهمم.. ووالدته: انتصر على 10 أمراض وهيهزم الفيروس

كتب: يسرا محمود -

06:24 م | الجمعة 12 يونيو 2020

مصطفى محمود

تمر الساعات ببطء شديد، فيزداد شعوره بالملل والرغبة في مغادرة العزل الإجباري، الذي فُرض عليه داخل غرفة متوسطة الحجم بمنزله في مدينة بور فؤاد، بعد تسلل فيروس كورونا لجسده رقيق البِنية، إلا أنه يصارعه بشجاعة معتادة وسط ترقب والدته لحالة نجلها الأكبر من خلف باب خشبي، محاولة التحكم في دموعها المنهمرة، التي جمعت مشاعر متناقضة بين الفزع عليه، والفخر بخوضه حرب جديدة لا يعلم تفاصيلها بدقة بسبب محدودية قدراته العقلية.

والدة مصطفى: خبوا عليا إنه عيان.. وأخته راعته وأنا في الرعاية المركزة

الحمد لله اكتشفنا الفيروس بدري، وهينتصر عليه زي ما حصل مع أمراض تانية".. بتلك الكلمات تبدأ مروى عبدالمحسن، والدة مصطفى محمود، حديثها لـ"الوطن" عن رحلة أول حالة معلنة لمريض كورونا من ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر، قائلة إن ابنها البالغ من العمر 25 ربيعا، لم تظهر عليه من أعراض المرض التاجي سوى الكحة فقط، ليتم اكتشاف الأمر عقب مرضها بـ "كوفيد 19"، وإجراء تحاليل للأسرة بأكملها، "خبوا عليا إنه عيان طول حجزي في العناية المركزة".

مهمة الاعتناء بـ"مصطفى" وقعت على عاتق شقيقته طوال فترة حجز والدتهما بالعناية المركزة لما يقارب 12 يوما، في ظل إقناعه أن المارة في الشارع مصابون بالفيروس، ويجب عليه عزل نفسه وتناول الأدوية بانتظام لتجنب انتقال المرض له، "كل اللي يعرفه عن كورونا إنها حاجة وحشة، وإننا اللي عيانين، ولو خرج هيتعدي ويروح المستشفى"، ما دفعه للالتزام، بحسب ما روته ابنتها لها، والتي تولت أيضا مسؤولية إخبار والدتها بنبأ إيجابية تحاليل نجلها قبل مغادرة المشفى، ما تسبب في صدمتها راغبةً في التوجه سريعا إليه لتطمئن بنفسها على حالته وتتابعها.

مروى: عمري ما هنسى لحظة استقبال مصطفى ليا

مشهد لقاء "مروى" بابنها لأول مرة منذ مرضهما، أبكى جميع أفراد الأسرة، الذي بدأ برؤية صاحب الـ 24 ربيعاً لوالدته من وراء النافذة، لينادي عليها بصعوبة بالغة "ماما.. أنتي جيتي ومش هتسبيني تاني صح!"، محاولا ارتداء الكمامة سريعا للخروج إليها، إلا أن يديه المرتعشتين من شدة الفرحة منعاه من وضعها على وجهه، لتهرول الأم داخل المنزل في أحد الغرف، مغلقة الباب عليها حتى لا يعانقها التزاما بالتعليمات الطبية بالتباعد في ظل عدم تعافيها من كورونا، لتخاطبه عن بُعد محاولة تهدئته وتأكيد بعودتها إليه، حتى رجع إلى غرفته، لتخطو بحذر نحوه، متأملة تركيزه وتفاعله مع الأغاني التي يحبها، ليظهر إليها بحب ولهفة، ويتبادلان رسم القلوب بأيديهما عوضا عن عدم ضمها له بين ذراعيها. 

"آي باد" هو الرفيق الوحيد الذي يهون على "مصطفى" العُزلة، متواصلا من خلاله مع أصدقائه وأقاربه، فضلا عن مشاهدته مباريات سابقة وأفلام ومسلسلات وبرامج نجومه المفضلين، وعلى رأسهم عادل إمام ورامي جمال وتامر حسني ودينا الشربيني وحكيم ومحمد رمضان ودنيا سمير غانم واللاعب وليد سليمان والشيف الشربيني ومذيعي "إن بوكس"، خاصة أنه يعشق المجال الإعلامي والفني، وسبق له التمثيل في العديد من المسرحيات بالمدرسة، فضلا عن إتقانه تقليد المشاهير خاصة إسماعيل ياسين.

تحسن حالة ابنها الأكبر لم يكن كافيا لطمأنتها، في ظل تاريخه الطويل مع المرض منذ مولده حتى الآن والذي واجه فيه 10 أمراض مختلفة، "من أول يوم مصطفى كان عنده زرقان حولين عينيه وودانه"، ليتبين إصابته بضمور في الغدة الدرقية عقب 3 أسابيع من ولادته، "ولو كنا اكتشفنا ده بعد كده، كان هيكون عنده إعاقة كلية وعدم قدرة على الحركة"، وعقب إتمامه شهرين خضع لعملية جراحية بالقلب لوصل شريان بين الرئة والأورطي، ثم أصيب بورم حميد بسبب مرض "السل"، ما تسبب في خضوعه للعلاج على مدار سنة كاملة، "كان بياخده قبل رضاعته".

والدة مصاب كورونا: ابني هينتصر على فيروس كورونا

وعند وصوله لعمر العامين أصيب بالتهاب الغشاء المخاطي في المخ، صحبها المعاناة من نزلات معوية حادة قبل الاحتفال بعامه الثالث، تبعها معاناة من تأخر النطق احتاجت إلى جلسات تخاطب مكثفة، وفي عمر الـ11 أصيب العصب السابع ما تسبب في إجراء منظار معوي.

ظل المرض يلاحق مصطفى، فبعد 9 سنوات خضع لعملية جراحية بسبب الزائدة الدودية، وحُجز على آثرها في الرعاية المركزة، "والجرح اتفتح أول يوم، فالدكاترة أمروا أنه مايشربش مايه لمدة 14 يوم، ويعتمد على المحاليل"، ما تسبب في شعوره بظمأ قاس، دفعه أكثر من مرة لمحاولة شرب الأدوية التي حوله، إلا أن ذلك لم يكن الآثر الجانبي الوحيد، حيث تسبب ذلك الجرح في مضاعفات استلزمت استئصاله 4 أمتار من أمعائه، وتركيب صمام معدن في القلب، "الموضوع كان صعب ومُجهد نفسيا وماليا".

الصراع المستمر مع الأمراض والعمليات، لم يمنعه من محاولة ممارسة حياته بصورة طبيعة، وتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن، فضلا عن لعب السباحة، ومشاركته في فريق "إسبيشال أولمبيك" بنادي القاهرة، الذي حصل معه على مايزيد عن 7 بطولات وميداليات تنوعت بين الذهبية والفضية والبرونزية في سباقات الـ50 متر حرة، فضلا عن تحديه لنفسه بالإلتزامه بـ"ريجيم" عقب تخطيه الـ100 كيلو جرام، ليخسر خلال أشهر معدودة 35 كيلو جراما بالرياضة وتناول الأطعمة الصحية.

تتذكر الأم تلك الإنجازات، فيزداد إيمانها بقدرات نجلها وتمكنه من هزيمة كورونا، وتحقيق حلمه الأكبر بالاتحاق بهيئة قناة السويس في بورسعيد لعشقه للماء والسفن، "رغم خوفي عليه إلا إن ابني هيتنصر على الفيروس زي كل مرة، وهيوصل في يوم لكل اللي بيتمناه".