رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

مروة متطوعة من الجنوب تروي تجربتها مع صندوق مكافحة الإدمان: حسيت بوجودي

كتب: كريم روماني -

12:19 ص | الإثنين 06 يناير 2020

مروة عبدالراضي متطوعة من الجنوب

يشرق نور الصباح، وتخترق أشعة الشمس جدران المنزل، يوماً بعد يوم، فتمر الحياة، والمجتمع يتشبّع بثقافات مختلفة صارمة إن صح القول، فالنظرة السائدة عن طبيعة حياة الفتاة هي الزواج وتربية الأطفال، وكأن الزواج حلم طال انتظار تحقيقه بالنسبة للأسرة، فتعلن الفتاة استسلامها للحلم الذي فُرض عليها.. جيل وراء جيل، والثقافة تترسخ، والتاريخ يسطر مكنونها، ويزداد التماسك بالعادات والتقاليد رغم صرامتها، إلى أن جاء يوم وانقلب الأمر رأساً على عقب، فكشفت الحياة عن "متطوعة من الجنوب" من قرية الحراجية بمركز قوص محافظة قنا، في فيلم وثائقي يجسد رحلتها مع صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، برئاسة الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن، ورئيسة مجلس إدارة الصندوق. 

شعار التمرد كان حليفها، تمرد على العادات والتقاليد، والخروج إلى المجتمع الحديث، والتعامل مع الناس بحرية كاملة، ففي مخيلتها كانت دائماً ما تقول إن الحضارة المصرية القديمة لم تكن بها قيود فُرضت على الفتاة مثل التي تحملها ثقافة قريتها.

عام 2015 حصلت مروة عبدالراضي "متطوعة من الجنوب"، على مجموع 93% في امتحانات الثانوية العامة، لم تضع هدفا نصب أعينها تسعى لتحقيقه، ففكرة كليات القمة لم تكن قد وصلت لثقافة القرية، وعلى أساس ذلك تولدت في وجدان الفتاة الصعيدية وغالبية فتيات المجتمع، رغبة مفاداها الحصول على مجموع مرتفع "وخلاص"، فكانت المشاورات بين أهل القرية لاختيار كلية معينة لـ"مروة"، وكأنهم هم الذين حلموا وهي التي تنفذ حلمهم، فكلية الألسن وكلية الآثار ليست معروفة في ثقافة القرية بالرغم من كون مجموعها مناسب لهم، إلى أن استقرت على الالتحاق بكلية التربية قسم التاريخ عام 2007 بجامعة جنوب الوادي، بحسب ما روته "مروة" لـ"الوطن".

لديها قدرة فذة على التكيف مع الوضع القائم، ومحاولة التغيير فيه ولو بدرجة طفيفة مع مرور الوقت، فيوم بعد يوم، بدأت تحب قسم التاريخ، وتميل لمهنة التدريس، إلا أن الفرصة لم تسنح لها، مثلها مثل الآلاف المؤلفة التي تخرجت من الكلية تحلم بـ"الوظيفة الميري"، خاصة مع زيادة رغبتها في عمل شيء مفيد تشعر من خلاله بأهمية وجودها في المجتمع، وتخدم أفراده فقاموس تربيتها احتوى على المحبة ومساعدة الآخر.

إعادة تصميم الملابس المتهالكة، وصنع الستائر والمفروشات، تجّمعت في مهنة الحياكة فهي الوسيلة التي لجأت إليها "مروة"، لتحقيق حلمها في التمرد على عادات وتقاليد المجتمع القبلي، وإثبات قدرة الفتاة على العمل والإنتاج.

في مشغل بسيط في القرية تلقت فيه أسس "مهنة الحياكة" إلى أن قررت فتح ورشة صغيرة في منزل والدها: "اتجهت للحياكة من وأنا في الجامعة أهي حاجة تحسسني إني عايشة على الأقل طالما الوظيفة مش لاقياها".

لم تشبع مهنة الحياكة رغبتها في التمرد، فقررت كسر القاعدة المعهودة لمراكز الشباب والرياضة، والتي تنص على أن هذه المراكز مخصصة للذكور فقط وليس للإناث نصيباً فيها، هكذا استقرت الفكرة عن مراكز الشباب في عرف المجتمع الصعيدي، فالتحقت بمركز الشباب والرياضة بقوص.

"إيه اللي جاب دي هنا"، هكذا كانت تحمل نظرة شباب المركز عبارات لمروة عقب التحاقها بالمركز، لم تعر ذلك أي اهتمام، فبالرغم من كون هذه النظرة سهاما مؤلمة لها إلا أنها لم تقتل رغبتها بل زادتها حماساً.

في الغالب لم تحظَ مروة بأي اهتمام ملموس في مركز الشباب، فباتت البيئة طاردة لرغبتها، فالمركز يفتقد الأنشطة الرياضية وكأن مقولة "باب النجار مخلع" قد صدقت به، بعد أن التحقت به هي واثنتين من أصدقائها.

على نسق بيت الشعر "ليت المطالب تُحقق بالتمنى إلا وتؤخذ الدنيا غلابا"، سارت مروة في طريق حلمها تزيدها الصعوبات إصراراً على إثبات أن الفتاة تستطيع وتستطيع الكثير، فبمجرد أن اقترح عليهم كابتن مركز الشباب والرياضة الذهاب لنادي الفتيات الذي يعتبر بيت خبرة: "كل بنت تعرف تعمل حاجة تعملّها للبنات اللي هتيجي المعهد"، وافقت هي وأصدقاؤها على التو واللحظة.

في طريقها لشعار التمرد، رحلة مدتها 6 أشهر قضتها مروة في مركز شباب البحر الأحمر للتدريب، لم يمانع أهلها في البداية فأقاربها هناك شقيقها الأكبر وخالها، إلا أن الأمر لم يكن يسعدها كثيراً: "معرفتش أخدم ناس كويس هناك"، فقررت العودة لقريتها وعملت مديرة دار إحدى الحضانات.

عام 2014 كانت النواة الأولى لظهور "متطوعة من الجنوب"، حيث وصل صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، إلى مركز قوص بقنا: "مسؤول الصندوق لقيني بعمل حاجات بس مش لاقيه فرصة عشان أظهر قدراتي فانضميت للصندوق".

ساعة ونصف الساعة تقضيها "مروة" يومياً للذهاب إلى مقر صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي في مركز قوص للتدريب على كيفية توعية الناس بمخاطر المخدرات، وهو ما لاقى رفضاً شديداً من قبل الأهل فثقافتهم تقول "إن الفتاة لا تخرج من منزلها خاصة في وقت متأخر وغير كده البنت ملهاش غير بيت جوزها وعيالها"، وهو ما يخالف مواعيد الورش التدريبية التي نظمها الصندوق والتي تبدأ في فترات مسائية.

تدرك جيداً كيف تقنع من يحاورها، أو قل من يخالفها في الرأي، فاستطاعت إقناع أهلها، بالفرصة الذهبية التي منحها لها الصندوق: "يوم أتأخر ويوم أجي بدري لحد ما الأمور بدأت تستقر، وقولت لأهلي عندي حاجات كتيرة نفسي احققها فلو مطلعتش من البلد دي مش هحققها".

وجوه جديدة، وأسرة غير الأسرة التي اعتادت على رؤيتها، فبدأت "مروة" مبادرات التوعية في القرى والنجوع والمدراس والجامعات: "بدأت أوعي الناس يعني إيه خط ساخن "16023" الذي يستخدم للتواصل مع المدمنين وعلاجهم، ويعني إيه مكافحة المخدرات، الصندوق حسسني بوجودي وقيمتي بين الناس في المجتمع".

سيدات تجهش بالبكاء، وأخرى تشمت، وثالثة تدعي لـ"مروة" بالخير، فاشتراك فتاة في صندوق مكافحة الإدمان وقيامها بمبادرات أمر غير مألوف لدى قريتها: "في مرة ستات وأنا بحكي معاهم لقيتهم هيعيطوا وواحدة فيهم بتقولي إبني مبهدلني بسبب شرب المخدرات ومش عارفة أعمل إيه"، هنا كانت رسالة السماء لهذه السيدة والتي حملتها "مروة": "اتوجعت أوي على الناس دي والله".

"انتي هتاخدي إيه من الكلام ده أنا مش عارفه" ثم تبدلت بدعوة تقول: "ربنا يحفظك ويسندك"، وهكذا توالت الصعوبات أمام "مروة" في رحلتها ضمن مبادرات الصندوق، مرة بعد الأخرى تمنى المجتمع أن تكون ابنته مثل مروة.

مبادرات عديدة شاركت فيها مروة منها "مروة " منها مبادرة "مصلحتك" لرفع الوعي بمخاطر الإدمان لدى الموظفين داخل المؤسسات والهيئات التابعة للوزارات والمصالح الحكومية المختلفة، ومبادرة "توصل بالسلامة" لتوعية السائقين، ومبادرة "خدعوك فقالوا" لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن تعاطي المخدرات لدى طلاب المدارس والجامعات وغيرها من المبادرات التوعوية حول أضرار المخدرات.

كل ذلك أهلها لأن تكون بطلة فيلم "متطوعة من الجنوب"، الذي تدور قصته حول فتاة "مروة عبد الراضي" من محافظة قنا والتي ظلت منذ طفولتها تحلم بكيفية تغيير نظرة عادات أهل قريتها في الصعيد من كون الفتاة للمنزل فقط دون النزول للمشاركة في الحياة العملية أو في مجالات العمل المختلفة، وظلت تحلم بالخير لقريتها، وأن تكون قريتها الصغيرة أجمل من حكاوي القصص التي كانت تسمعها من جدتها وهي طفلة صغيرة.

باتت نصيحتها لنظائرها: "أنصح البنت أنها تعمل الحاجة طالما لديها القدرة على ذلك".

رب ضارة نافعة هكذا تؤمن مروة بالآية، فتؤكد: "لو اتعينت في مدرسة زي ما كنت بحلم أيام الكلية لم أستطع إنجاز ما أنجزته في الوقت الحالي، متمنية أن تصل مجهودات الصندوق لكل فرد في المجتمع، خاصة بعد أن غيّر في شخصيتها العديد من الصفات، ومنحها خصائل جديدة في كيفية التعامل مع الناس.

الصندوق نجح في تنفيذ العديد من المبادرات التوعوية حول أضرار تعاطى المخدرات على مدار الفترة الماضية من خلال 29 ألف متطوع  من الشباب والفتيات على مستوى جميع  محافظات الجمهورية، وتم إعداد 60 ليلة عرض مسرحي عن التوعية بأضرار المخدرات خلال العام الماضى، بحسب ما أكده الدكتور عمرو عثمان، مساعد وزيرة التضامن، ومدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.