رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

طفلة "الرصيف نمرة 6".. "الوطن" ترصد مشاهد وجع "راوية" في "رحلة الفزع"

كتب: أحمد عصر - يسرا محمود -

11:28 م | الأربعاء 27 فبراير 2019

6 مشاهد في رحلة الطفلة

بهمس ضعيف، وأطراف صغيرة مخدرة، وألم مبرح ينوء بأولي القوة، نطقت باسمها قبل أن تفقد الوعي بين أيادي المسعفين.. "اسمي راوية"، معلومة مقتضبة لكنها كل ما استطاعت أن تنطق به الطفلة ذات الـ6 أعوام، قبل أن يغشى عليها ألما وفزعا بعد "لحظات الهول" على الرصيف نمرة 6 في محطة مصر.

"راوية"، ظلت مجهولة الهوية حتى عثر عليها أهلها بعد ساعات من الحادث، لتكون حكايتها حتى العثور عليها شاهدا استثنائيا بين ضحايا الحادث المفجع.. "الوطن" تتبعت قصة الرحلة الطفولية المريرة ورصدتها في 6 مشاهد، منذ أن تلقفتها أيادي المسعفين وحتى عثر عليها أسرتها في غرفة رعاية الأطفال داخل مستشفى معهد ناصر.

المشهد الأول: موقع الحادث

حرارة المكان ارتفعت بعدما تناثرت ألسنة اللهب في كل جانب، وصوت الانفجار لم يفارق صداه آذان الحاضرين، البعض يجري مسرعًا خارج محطة القطار، وآخرون يلتقطون صورًا ومقاطع فيديو توثيقَا لهذا المشهد الدامي، بين هذا وذاك كانت أجسادٌ متفرقة ملقاةٌ على أرصفة وقضبان محطة مصر، يتنقل بينها رجال الإسعاف الذين تنبهوا لهذا الجسد الصغير، طفلة لا زالت على قيد الحياة، وما أن شعرت بأيديهم تلمس جسدها المحترق قبل أن يسألها أحدهم عن هويتها، فجاء جوابها بنفس متقطع: "اسمي راوية وعندي 6 سنين"، لم تقل أكثر من هاتين المعلومتين، لتتركهم بعدها وتغيب في عالم آخر عن هذا الصخب، الذي سيطر على المكان من حولها.

المشهد الثاني: طوارئ "معهد ناصر"

صوت سيارة إسعاف قادم من بعيد، تنبهت له آذان الواقفين أمام بوابة قسم الطوارئ بمستشفى معهد ناصر، أطباء وممرضين وأفراد أمن داخلي وبعض قوات الشرطة، جاءوا جميهم إلى قسم الطوارئ في حالة استنفار لمّا وردت إليهم أنباء الحادث، يستعدون لاستقبال المصابين القادمين في الطريق إليهم، قبل أن ينطلقوا في حركات سريعة منادين على بعضهم البعض "أول حالة جت".

علت صافرة سيارة الإسعاف وبدت مزعجة لمّا وصلت أمام بوابة قسم الطوارئ، قبل أن يطل منها سائقها برأسه معلنًا وصول "أول حالة"، الطفلة ذاتها، انهالت الأسئلة على السائق الذي لم يجب بأكثر ما نطقت به الطفلة قبل فقدانها للوعي: "اسمها راوية وعندها 6 سنين منعرفش عنها حاجة تاني".

المشهد الثالث: رحلة غامضة

"الشاش" يكسو جسدها بالكامل، طامسًا ملامحها ومعالم جسدها، لا أحد يعلم عنها شيئًا، حتى عجز مسؤول قسم الطوارئ عن تدوين بياناتها عند استقبال حالتها بالمستشفى، فلا هي مجهولة الهوية تماما ولا صاحبة تفاصيل مؤكدة عن شخصيتها، ليكتفي بكتابة "الطفلة راوية" المصابة في حادث محطة مصر في دفتر الدخول، سامحًا للإسعاف بإدخالها إلى المستشفى تمهيدًا لعلاجها، لتبدأ رحلة غامضة من البحث عن "غرفة راوية" داخل "معهد ناصر"، فلا أحد من رجال الأمن يعلم بمكانها، كما أن موظفين الاستقبال يجهلون الأمر، حتى الأطباء تضاربت تصريحاتهم بين تواجدها في العناية المركزة المركزية، المكدسة بمصابي الحادث من الكبار، والعناية المركزة الخاصة بالأطفال، التي تحمل في طياتها 6 مصابين دونها، والعناية المركزة القاطنة بالدور السابع، الخالية من مصابين "حريق محطة مصر".

المشهد الرابع: رعاية الكلى

أسرّة متجاورة، وطاقم تمريض وأطباء يتنقلون بينها في حركات سريعة، هذه الغرفة، التي كتب أعلى بابها الخارجي "رعاية كلى"، تم تخصيصها لاستقبال مصابي الحادث من ذوي الحالات الحرجة، فكانت أحد المحطات التي استقر بها جسد "راوية" المصاب، هكذا قالت إحدى ممرضات الغرفة قبل أن تجزم بانتقال "الطفلة المجهولة" إلى قسم رعاية الأطفال في الطابق الخامس من المبنى.

المشهد الخامس: رعاية الأطفال

باب متوسط الحجم يعلوه لافتة زرقاء كتب عليها بخط أبيض "الرعاية المركزة للأطفال"، يفتح على باب آخر مواجه له، في الداخل منه كانت أسرة متقاربة من بعضها البعض امتلأت بأطفال مرضى لم ينالوا هذا القدر من الاهتمام الذي حظيت به الضيفة الجديدة "مجهولة الهوية"، صاحبة ذلك السرير على يسار الداخل إلى الغرفة، من حولها تجمع الأطباء والممرضين، بعد أن نزعوا عنها "الشاش" الذي كان يغطيها بالكامل.

جسدُ عارٍ قد يتخيل الناظر إليه من الوهلة الأولى أنه ليس لطفلة، بعد أن انتفخ من أثر الحريق وساقط عنه معظم جلده، بينما لم تعد ملامح الوجه واضحة بعدما طاله الحريق أيضًا فأصابه ما أصاب الجسد من الانتفاخ وتساقط الجلد، كان الحريق في جسدها من الدرجة الثانية بنسبة بلغت 82%، حسب ما قال الدكتور أحمد رجب، أحد الأطباء المعالجين، وهو ما جعل حالة الطفلة "خطيرة وحرجة".

المشهد السادس: ظهور الأهل

8 ساعات متواصلة مرت على احتجاز "راوية" وحيدة بالعناية المركزة، تصارع الألم والوجع بمفردها، حتى ظهر رجل أربعيني بملابس غير مهندمة، تتجلى مشاعر الخوف والضيق بوضوح شديد في عينيه، يسأل بلهفة عن تواجد أبنته المصابة، ليزداد حزنه عند رؤيتها مستلقية على السرير، بوجه منتفخ شاحب، وبعد دقائق من وصوله، حضرت طليقته، والدة راوية، التي لم تتمكن من إيقاف دموعها المنهمرة حزنًا على حال نجلتها، التي تركتها مع جدتها للذهاب إلى أحد الأقارب، دون أن تدري أن اللقاء الأخير لوجه نجلتها الضاحك سيكون بهذه الطريقة التي أفقدتها الأمل في رؤية ابتسامة ابنتها إلى الأبد.