رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

«سهير» كعب داير من حلوان للبدرشين لبيع الخضار: نفسي في شقة تأوي ولادي (فيديو)

كتب: سمر صالح -

02:26 م | الجمعة 10 ديسمبر 2021

سهير- بائعة الخضار على التروسيكل

قبل نحو اثني عشر عاما انفصلت «سهير» عن زوجها وتحملت بمفردها مسؤولية أربعة أبناء صغار في أعمار متفاوتة، مبكرًا وقبل أن ترى من الحياة نعيمها، بدأت رحلة الأم الأربعينية مع «الشقا» لا حيلة لها ولا مورد رزق يسد أفواه صغارها، طرقت أبواب أصحاب الأشغال المتاحة أمامها لم تترك مهنة إلا وعملت بها، لم تجد مستقرا في واحدة منهم حتى قررت أن تعمل بمفردها في مهنة لا تعلم عنها شيئا، استعانت بحول الله وقوته مُسيَّرة وليست مُخيرة، أجبرتها ظروفها الصعبة إلى التخلي عن أنوثتها قليلا لملء بطون أبنائها.

التروسيكل ينقذ سهير وأولادها بعد الانفصال عن زوجها

من محل إقامتها بمنطقة حلوان، تخرج «سهير أبو زيد» من بيتها بخطوات مُتثاقلة، صوب«التروسيكل» الذي اشترته بالتقسيط قبل أشهر قليلة، تدّور محركاته فتتصاعد منه أدخنة رمادية، فيتجلى خاتمها الفضي الذي يلمع في إصبعها وسط تشققات وجروح تدل على سيدة لم تعش أجمل سنوات عمرها، تهم بالصعود عليه، فيكشف الجلباب المتبقي على صدره قليل من الفصوص اللامعة بنطال ذكروي ارتدته لتتحرك بحرية في عالم ذكوري، لغته الوحيدة هي «القوة».

مسافة تقدر بساعة كاملة أو ما يزيد قليلا تقطعها الأم حتى تصل إلى سوق الخضار بالبدرشين، ومن حيث استقر«التروسيكل» تبدأ جولتها بين أجولة الخضار والفاكهة، تتخير الأفضل من بينهم جودة وسعرا، تلقي التحية على كبار التجار بالسوق، حفظوا هيئتها واعتادوا عليها تزاحمهم في البيع والشراء دون ضعف أو خوف.

«مكنش قدامي حل تاني غير إني أبيع خضار وفاكهة، باجي سوق البدرشين مخصوص لإنها منطقتي اللي عيشت فيها زمان والأسعار فيه حنينة عليا والتجار فيه رجالة وواقفين جنبي ومش بيستغلوا ظروفي»، تقول الأم الأربعينية بصوت فخور بعملها وكفاحها، في بداية حديثها لـ«الوطن» التي اصطحبتها على مدار رحلتها اليومية من بيتها بمنطقة حلوان حتى سوق البدرشين.

رحلة سهير من حلوان إلى البدرشين لشراء البضاعة

مبكرا وقبل أن يرفع المؤذن أذان العصر من كل يوم، تنتهي «سهير» من تحميل أجولة الخضار والفاكهة على متن «التروسيكل» بعد فصال لم يدم قليلا بين التجار للشراء بأسعار «مهاودة» بحسب تعبيرها، تهم بالصعود عليه بعد أن تحكم رص البضاعة جيدا، وتدور محركاته للعودة من نفس الطريق الشاهد على رعشة جسدها من برودة جو الصباح الباكر خاصة في أيام الشتاء، «بشتري كل البضاعة اللي تلزمني واللي بيحتاجها زبايني وأرجع بيها على المنطقة بتاعتي عشان أبدأ النص التاني من يومي وأبيع البضاعة».

انحراف يكاد لا يُرى في طريقة الجلوس، يفضح الهدوء المُدعي للسيدة التي أحكمت قبضتها على محركات «التروسيكل» تنطلق به على الطريق السريع من البدرشين إلى حلوان تردد همسًا أذكارا ودعاءً لاينقطع تتضرع إلى الله طلبا لتيسير البيع بعد عودتها.

كسرة خبز أو طبق «كشري» صغير، غداء «سهير» الذي تتناوله في عجالة على الطريق، تبقى عليه حتى نهاية يومها، فور أن تعود إلى منطقة حلوان تتوقف محركات «التروسيكل» وتستقر بها جانبا على الطريق، وتتجول على طول الشارع الممتد تنادي على بضاعتها «حمرا يا قوطة.. تحمير يا بطاطس» فتطل ربات المنازل من الشرفات من أثر صوتها المحفوظ في أذانهن يطلبن منها حاجتهن من الخضار والفاكهة يثقن في أمانتها مع الميزان «بقى ليا زبايني وعارفة طلب كل واحدة منهم وهما واثقين في أسعاري».

حلم «سهير» شقة ترحمها من المعاناة

أومأت الأم، برأسها لصبي المقهى مطالبة إيَّاه بإحضار كوب من الشاي لتستريح قليلا، التهبت كُفوفها من شدة الحمولة التي تنقلها وتداعت عظام الكتف والظهر في جسدها، ولكن ما أحب الشقاء على قلبها عن «الحوجة» لأحد، بحسب تعبيرها، جلست تروي لـ«الوطن» تمتلأ خزانة ذكريات «المعلمة سهير» كما يمازحها بعض التجار بالسوق، بليال صعبة كادت أن تختنق منها، نجت منها بأعجوبة لا تذكر منها إلا قليلا، نظرات المارة في الشارع تزيدها قوة ورغبة في استكمال ما بدأته «الناس بتشوفني على الطريق بيشجعوني وبشوف في عنيهم نظرات فخر بتقويني»، حلمها بسيط رغم صعوبة مناله بالنسبة لها «بحلم بشقة تأويني أنا وولادي قاعدين في مكان بالإيجار مفيهوش أي حياة ونفسي أرتاح».