كتب: سحر عزازى -
01:28 م | الإثنين 15 فبراير 2021
«يا رضوى إني والقمر والنجمات نسير إليك الليلة».. مقطع من قصيدة «رضوى» التي كتبها الشاعر الفلسطيني الكبير مُريد البرغوثي، تحققت أمس حين غادر الحياة متجهًا نحو حب عمره وشريكة حياته الكاتبة الروائية رضوى عاشور بعد 7 سنوات من وفاتها، ليسدل الستار على تلك القصة المُلهمة التي لم تعرف المستحيل، وستبقى آثارها محفورة في القلوب للأبد.
قصة حب استثنائية مليئة بالتحديات جمعت الشاعر الفلسطيني بالكاتبة المصرية، كان أول مشهد فيها على سلالم المكتبة المركزية بجامعة القاهرة، حين انتبهت الطالبة «رضوى» التي تدرس في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، لصوت طالب يُلقي شعرًا أثار إعجابها منذ الوهلة الأولى، فقررت التوقف عن كتابة الشعر منذ تلك اللحظة لتبدأ رحلة جديدة مليئة بمشاعر الحب والامتنان.
ترك مُريد البرغوثي الضفة الغربية للدراسة في القاهرة عام 1963 ومُنع من العودة إليها لأكثر من 30 عامًا، التقى خلالها بشريكة عمره رضوى ليشكلا قصة حب حية لم تنهزم بالحروب والأزمات والنكبات، سطرت حروفها في قصائد الشعر والدواوين وصفحات الروايات، حكت عن الصعوبات التي واجهها الثنائي في بداية حياتهما حين مُنع الشاب الفلسطيني من العودة لوطنه بسبب نكسة 1967، وأصرت الشابة العنيدة على الزواج منه رغم ظروفه القاسية بجانب رفض أسرتها له.
كان الحب أقوى من الحروب ورفض العائلة، حين توج بعقد زواجهما عام 1970 وقال مُريد عنها: «وضحكتها صارت بيتي»، نعم بيته الذي لم يسكن فيه بجسده بل بروحه بعد أن زادت معاناته بكثرة نفيه بعيدًا عن حبيبته، فكانت فرصة ليكتب لها شعرًا ويتغزل في حبها ليهون على نفسه ألم الفراق بعد أن اضطر لمغادرة مصر بعد سجنه في عام 1977، ثم ترحيله وظل ممنوعًا من العودة لمدة 7 سنوات.
وجلس يكتب لشريكه عمره «أنتِ جميلة كوطن محرر وأنا متعب كوطن محتل» من قصيدة «أنتِ وأنا»، ولم يتوقف مريد على كتابة الشعر لرضوى وكيف لا يكتب عن حبيبة فؤاده وسكينه روحه، حيث أطلق قصيدة باسمها «رضوى» جاء فيها: «على نَوْلِها في مساءِ البلادْ، تحاول رضوى نسيجاً، وفي بالها كلُّ لونٍ بهيجٍ، وفي بالها أُمّةٌ طال فيها الحِدادْ».
كانت ونسيه في ليالي المنفى حيث كتب لها العديد من القصائد التي جمعت معظم مفردات الحب، وأنجبا الثنائي طفلهما الوحيد «تميم» الذي جاء للحياة في ظروف قاسية بسبب بُعد الأب وصمود الأم التي انتظرت سنوات للم شمل أسرتها.
ورث الأبن موهبة الشعر من أبيه، وانفجر بكتابة الشعر العامي ليوثق رحلة والديه الصعبة وقصة حبهما المليئة بالتحديات حيث كتب: «أمي وأبويا التقوا والحر للحرة، شاعر من الضفة برغوثي واسمه مريد، قالوا لها ده أجنبي، ما يجوزش بالمرة، قالت لهم يا عبيد اللي ملوكها عبيد، من امتى كانت رام الله من بلاد برة، يا ناس يا أهل البلد شارياه وشاريني، من يعترض ع المحبة لما ربّي يريد».
رحل مُريد عن عمر يناهز 77 عامًا وقلبه لم ينبض سوى لامرأة واحدة وهي «رضوى»، غابت عن الحياة قبله بـ7 سنوات، ولكن لم يغيب حبها أبدًا من أمام عينه، فظلا رفقاء الطريق حتى التقيا في نهايته، ليناديها في صمت: « يا رضوى، تعالى، ها نحن توزعنا فى كل مداخل بلدتنا، ها نحن حملنا باقات الورد الأحمر».