رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

"راندا" تعرضت للختان في صغرها فحاربته بقصصها الواقعية: بنحارب في الصخر

كتب: آية المليجى -

06:49 م | السبت 16 مارس 2019

راندا

كانت طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها الـ7 سنوات حينما وقفت أمام منزلها الواقع بمحافظة أسوان، تلهو مع قريناتها، عادت راندا ضياء، إلى أسرتها لتلتقط بآذنيها الصغيرة أطراف حديث يبشرها بأنه حان وقت خضوعها لعملية الختان، لتطير فرحًا بهذا النبأ السعيد.

طقوس ومظاهر متعددة مرتبطة بإجراء عملية ختان الإناث في محافظة أسوان، فهي أشبه بالعرس، فالفتاة ترتدي فستانا أحمر، والمنزل يشهد تحضيرات خاصة بداية من شراء ملاءات بيضاء جديدة لسرير الفتاة المختنة، وتحضير وجبات الطعام الدسمة التي لم تخلو من الفراخ والكبدة، وفي اليوم السابع من العملية تذهب الصغيرة إلى نهر النيل وهي تتمايل على الأغاني السودانية التي يشدوها الأهل، لغسل يديها بمياه النهر، ومن ثم رسمها بالحنة السوداني.

فجلست الصغيرة حالمة بهذه الليلة التي تصبح فيها كالعروس، تجمع النقود من المال والجيران الذين يأتوا لمباركتها، وفي اليوم الموعود ظلت "راندا" منتظرة إتمام والدها لصلاة العشاء واصطحابها برفقة والدتها إلى عيادة الدكتور لإجراء العملية التي أرادت تنفيذها.

خطت الصغيرة داخل عيادة الطبيب، ليتبدل حالها فالرعب والقلق حلت مكان الفرح والسعادة، وارتسم الخوف على وجهها الصغير، فآثرت الصمت، فهي لم تتخيل بأن الأمر يثير الفزع بنفسها، لتفقد الوعي بما حولها إثر حقنة التخدير، ساعات قليلة وفاقت "راندا" لتجد نفسها نائمة في غرفتها، فالآلام الصعبة تداهم جسدها الضعيف لتفقدها القدرة على الشكوى.

صراخ ووعويل انتاب الأم حينما لاحظت افتراش دماء ابنتها على الملاءة البيضاء، لتذهب بها على الفور إلى المستشفى، لتدرك بأن الطبيب الذي أجرى عملية الختان تسبب في قطع وريد من جهازها التناسلي، علامات مختلطة رأتها "راندا" على وجوه من حولها في المستشفى ما بين بكاء والدتها وابتسامات البعض لطمأنتها.

"أول حادثة في حياتي.. مقدرش أنساها"، هكذا وصفت راندا ضياء، ما حدث معها في طفولتها، لكن الضرر الذي أصابها حل بفائدة كبرى على باقي بنات العائلة، التي منعت إجراء هذه العملية الضارة، فيما بعد، فالخوف تجاوز التمسك بالعادات والتقاليد.

كبرت الصغيرة وظلت تفاصيل الحادث المؤلم محفورة بداخلها، التحقت بكلية الخدمة الاجتماعية ليحيي الموضوع بداخلها من جديد حينما تماست دراستها المهتمة بمشاكل المجتمع والعادات الخاطئة، بتجربتها الشخصية التي تدربت على إلقائها بين الحاضرين لورش "الحكي" التي شاركت بها.

انتظمت "راندا" على حضور ورش الحكي والكتابة القصصية، نمت من خلالهما موهبتها في الكتابة التي قررت أن تكون وسيلتها لمحاربة العادات الخاطئة المنتشرة مع بنات مجتمعها، وأصبح عملها، بعد تخرجها في الجامعة، داخل مؤسسة "سنابل للخير" فهي تهدف للمشاريع التوعوية لحل مشاكل المرأة في الصعيد.

باشرت "راندا" عملها بالمؤسسة مستمعة لمشاكل فتيات وقعن في دائرة العنف الاجتماعي، تأثرت بهن وتذكرت بأحاديثهن تجربتها الأليمة، فنسجت بينهن في مجموعاتها القصصية الأولى "حافية القدمين" التي أطلقتها.

الطفلة "هدير" كانت من أكثر القصص الواقعية المؤلمة التي عايشتها "راندا"، فهي الصغيرة التي حرمها والدها من استكمال تعليمها حينما أتت إليها الدورة الشهرية، ليجبرها على الزواج وهي في سن لم يتجاوز الـ13 عامًا، مارست العلاقة الزوجية وهي لم تدرك مفاهميها الصحيحة، حتى حملت وحينما أتى موعد الولادة، اكتفى زوجها بإحضار الداية التي أنهت حياتها الصغيرة.  

وأيضًا قصة الفتاة الجامعية المتحررة "مروة" التي رفضت العادات الخاطئة في مجتمعها، وحينما أتمت مراسم زفافها على من أحبته، تفاجئت بطلبه إذا أراد أن يمارس معها طقوس "الدخلة البلدي" أصرت العروس على رفضها حتى تم وقع الطلاق غير مهمتة بأحاديث الناس عن مصيرها.

لم تكن القصص القصيرة وحدها، هي الطريقة التي اختارتها "راندا" لمحاربة العادات الخاطئة، فثمة فيلم وثائقة عكفت على إنتاجه تناول قضية دور إيواء الأطفال التي ترفض استقبالهم دون سن الـ6 أعوام، والذي كان نتاج قصة واقعية عايشتها المرأة الأربعينية أيضًا.

هجوم وانتقادات تعرضت إليها "راندا" طيلة مكافحتها لهذه العادات الخاطئة غير لافتة إليها، فهي أيضًا ترد على منتقديها بالأحاديث الدينية التي يستخدمونها لتبرير أفعالهم العنيفة ضد المرأة "إحنا بنحارب في الصخر.. وستات الصعيد عندها استجابة بس خايفين من الحرمانية ودا اللي بحاول أغيروا ليهم".

مكافحة "راندا" في تغيير ما حولها لم ينسيها كونها زوجة وأم لـ3 أولاد تغرس بداخلهم احترام الفتاة وتقديرها "بعلمهم أن البنت أحسن من الولد"، كما أن وجود زوجها بجوارها يهون عليها الكثير من الصعاب "هو دايما في ضهري.. بنتناقش ونحترم آرائنا ووجهات نظرنا حتى لو اختلفنا".