إنسان صغير يأتي إلى هذا العالم الكبير المتسع الذي لا يعرف فيه شيئا حتى نفسه، فينام ويأكل ويرتمي في أحضان أمه وعائلته في شهوره الأولى غير مبال بما يدور حوله من صراعات دولية وأحداث اجتماعية وتفاصيل يومية، فهو لا يعرف شيئا عن شكله ومظهره وملامح وجهه ووزنه حتى يبدأ في التعرف على نفسه.

ربما لا تعرف كيف يمكن لشخص ألا يدرك تماما وجود نفسه في هذا العالم؟ فهذا أمر طبيعي بالنسبة لشخص كبير وواعي، لكن بالنسبة لطفل فيعد الأمر مختلفا، حتى أن الطفل يتفاجأ ويندهش ويصدر علامات تعجب تظهر على ملامحه عندما يكتشف حقا أنه موجود في هذا الكون.

يقول الدكتور محمد عماد الدين إسماعيل في الجزء الأول "السنوات التكوينية 0: 6" من كتابه "الطفل من الحمل إلى الرشد"، أن الطفل في سن 18 أسبوع تقريبا يبدأ في النظر إلى نفسه في المرآة التي تشكل شيئا جذابا جدا له حيث يرى انعكاس صورته فيها، لكن في نفس الوقت لا يدرك الطفل تماما ويتيقن أن هذا الشخص الذي يراه في المرآة هو نفسه وليس غيره.

وأجرى الباحثون دراسات كاملة حول بداية تعرف الطفل على نفسه، حيث أشار الباحث "امستردام" إلى أن الطفل في سن سنة (12 شهر) يعتقد أن هذا الانعكاس هو عبارة عن طفل أخر فيبدأ  في البحث خلف المرآة للعثور على هذا الطفل.

ويدخل الطفل بعد ذلك في مرحلة جديدة وهي التعرف والوعي بالذات، فيظهر علامات في المرآة إما أن تدل على الخجل أو الإعجاب بنفسه، ويقوم أحيانا بتقبيل نفسه، ويبدأ في عمل حركات ليرى نظيره في المرآة يفعل ما يفعله تماما، حتى يتحقق من نفسه فتجده يبتسم ويضحك، وربما يحاول تقليد الكبار دون تعرف كامل على نفسه.

وفي سن 20 أو 24 شهر يتعرف على ذاته بشكل يقيني، ويعرف تمام المعرفة أن هذا الشخص الذي يراه في المرآة هو نفسه، وأن المرآة هي أداة تعكس صورته ووضعه في الوقت الحالي، ولا تظهر إلا انفعالاته وملامحه وكل الحركات التي يقوم بممارستها.

وقام "أمستردام" بعمل دراسة واقعية حيث وضع بقعة حمراء على أنف طفل، ولاحظ رد فعله، فتحرك الطفل لفحص أنفه في المرآة، الأمر الذي يعني أن الطفل بدأ في التعرف على ذاته.