رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

"ينار" مدير منظمة حرية المرأة بالعراق.. أنقذت مئات السيدات من العنف والموت

كتب: آية المليجى - روان مسعد -

03:51 ص | الجمعة 08 مارس 2019

ينار

مجتمع اتسم بالنظرة الذكورية العشائرية، فلا صوت للمرأة يعلو على الرجل، فما هي إلا وعاء لتفريغ الشهوات، فالعشيرة هي صاحبة الحق الإلهي للتصرف كيفما تشاء في مصيرها، فهذه كانت الحياة على الكثير من المنتميات للمجتمع العراقي قبل 60 عامًا، حيث نشأت ينار محمد، مديرة منظمة حرية المرأة في العراق، وسط أسرة خالفت الطبيعة السائدة، حيث احترمت تطلعات الأنثى في التعليم والدراسة.

فالأب ذو الاتجاه اليساري كان وقتها مطاردًا من السلطات الأمنية فارتحل بأسرته إلى لبنان، وهناك كانت أولى خطوات الطفلة الصغيرة "ينار"، تفتحت أعينها على الشاشة الصغيرة فشاهدت سندريلا الشاشة العربية، رأت فيها صورة للمرأة التي أحبتها، فوقعت أسيرة للحب والتحرر، سنوات قليلة مضت وأذن الأب بالعودة إلى العراق مرة أخرى.

عادت الصغيرة إلى مجتمعها القبلي، محملة بأفكارها التحررية التي اصطدمت بواقعها، لينتفض جسدها كلما تذكرت إجبار جدتها على الزواج بمن يكبرها سنًا، فالحياة بينهما كانت أشبه بالاغتصاب الزوجي، تزداد رعشتها ورهبتها من تهديدات ابن عمها بقتل شقيقته إذا تزوجت ممن تهواه، فازداد تشبثها للخروج من دائرة العنف المحيطة بها، لتتخذ من قراءة كتب النسويات مثل نوال السعداوي وسيمون دي بوفوار متنفسًا لها، تفهمت طبيعة المرأة النسوية التي لا تقبل سوى المساواة بين الجنسين، وضمت نفسها واحدة بين صفوفهن.

سافرت إلى كندا واستكملت دراستها في الهندسية المعمارية عملت في تخصصها بإحدى المكاتب الهندسية في مدينة تورنتو، ربما كانت حياة "ينار" هادئة، تزوجت ممن أحبته حيث كان يجاورها بالمقعد الدراسي في الجامعة، وأسسا سويًا حياتهما التي لم تذق معنى الاستقرار مع مجيء عام 2003 لتتبدل الأحوال، فالعراق أصبح أسير الاحتلال الأمريكي، الذي نصب حواجزه العسكرية بقلب بغداد، دمر البيوت وساد الظلم والقمع، فصور ومشاهد القصف حركت سواكن المهندسة المعمارية تخللها شعور بالندم حينما اتخذت قرارها بالرحيل عن بلدها.

تشاركت "ينار" الحديث مع أبناء الجالية العراقية بكندا، تحمست بشجاعة البعض وآرائهم، فالأصوات النسائية ارتفعت بالحاجة لبناء دار إيواء آمنة للنساء المهددات بالقتل في العراق، استهوتها الفكرة وعاهدت نفسها على خوض نضال يؤثر على حياة الإناث في العراق.

تركت "ينار" الحياة الهادئة بكندا وعادت لموطنها المحتل، سارت على درب الخطة التي وضعتها برفقة اثنتين من صديقاتها الناشطات ليؤسسن معًا منظمة حرية المرأة في العراق، في شهر يونيو بالعام 2003، في حفل صغير نظمته الناشطات الثلاث بداخل إحدى قاعات بغداد حضره القليل من الرفاق السياسيين وبعضًا من النساء اللواتي عانين من عنف عشائرهن.

لم تمض سوى أشهر قليلة على تأسيس المنظمة النسائية في بلد تأزمت أوضاعه الاقتصادية والأمنية، فاتخذت زميلتي "ينار" قرارهن بالعودة إلى بلاد المهجر، وتركها بمفردها في بداية الطريق، تحملت مسؤولية ما عاهدت نفسها عليه، بحماية المرأة العراقية من تهديدات ما يسمى جرائم الشرف والتصدي لشبكات الاتجار والاستغلال التي كانت منتشرة وقتها.

فتحت الناشطة الحقوقية أبواب منظمتها لعشرات الفتيات العراقيات اللواتي لجأن إليها هربًا من العنف الأسري والاجتماعي، غير عابئات بالخطر الذي يطاردهن، فأكثر من 800 امرأة استطاعت "ينار" تحريرها من قبضة العنف الاجتماعي من الإجبار على الزواج وحرمانها من حقوقها وتعليمها، بمعاونة فريقها النسوي الذي اتسم بالعند والقوة.

صعوبات كثيرة واجهتها "ينار" في العمل مع منظمتها الحقوقية، فانحياز السلطات الأمنية إلى الأسر والقبائل، كثيرًا ما عرض حياتها للخطر، فتذكرت مشهد مداهمة القوات الأمنية للمنظمة بحثًا عن فتاة هربت من تعنيف والدها المستمر، وأجبرتها على العودة إلى أسرتها، لتقف عاجزة في وجه قوانين يمكن أن تحولها لمتهمة بخطف النساء، وربما تصل العقوبة للإعدام تحت أحكام قانون مكافحة الإرهاب.

تهديدات بالقتل كثيرًا ما تلقتها الناشطة الحقوقية من قبل الجماعات الإسلامية، والقبائل، لكنها لم تبعد "ينار" عن إنقاذها لحياة الفتيات العراقيات، حيث روت تجربتها مع إنقاذ فتاة كانت ضحية لجريمة الاغتصاب لتتفق والدتها مع أعمامها على قتلها، فعقوبة الإعدام العشائرية للمرأة أمر ما زال مسموحا بها قانونيًا، لكنها استطاعت تهريبها من أسرتها وإنقاذها لتصبح واحدة من ساكني دار الإيواء بالمنظمة.

اعتلى صوت الناشطة النسوية بوضع تشريعات تخص دور الإيواء للمنظمات النسوية، فكثيرًا ما تحدثت أمام أعضاء البرلمان العراقي لتجد نفسها متهمة بالدعوة إلى التفكك الأسري والاجتماعي.

تزداد الأمور تعقيدًا بالهمجية الداعشية التي استباحت جسد المرأة، فهي البضاعة الخالية من الروح فبيعها وشرائها أصبح جزءا من الفروض الدينية لهمجية داعش، وتصبح الضحايا هي هدف المنظمة، فالكثيرات منهن يقبلن على الانتحار، لتمنع "ينار" بين هذه الخطوة، وتتحدث معهن لإعادة الثقة بأنفسهن، ومحاولة حفظ كرامتهن وحياتهن.

حياة ممتلئة بالأخطار تعيشها "ينار" فهي المهددة بالقتل من قبل الجماعات الإسلامية، ومنظمتها مهددة بالاقتحام من قبل الجهات الأمنية، وما بين هذا وذاك تحاول الناشطة الحقوقية إعادة الهدوء لحياتها من وقت لآخر، لتسرق من الوقت ساعات تعيشها مع رسم ما يدور في ذهنها، أو ربما تقضي أوقات في تنفيذ تصميماتها المختلفة، فهو عملها المقرب الذي لم تبتعد عنه إذ حولت مبنى منظمة حرية المرأة الذي يزيد عن 80 عاما إلى واحد من أجمل مباني منظمة الكرادة في بغداد "نحن النساء القادرات على معرفة ما هو الأفضل لنا ولعوائلنا ولمجتمعاتنا".