رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

السرطان يهاجم أول مصرية توثق تبرعها بأعضائها بعد وفاتها: لما أموت هفيد الناس إزاي؟

كتب: آية أشرف -

04:56 ص | الجمعة 26 مايو 2023

دينا رضا

أكثر من خمسة عقود، بات أمر التبرع بالأعضاء يرواد السيدة دينا رضا، لم يغريها وهي في الخامسة عشرة من عمرها الموضة وألوانها، لم تتحرك رغبتها نحو حلم الزواج كنظيراتها من الفتيات، لم تحلم بالسفر وتضع خطط تحاول تنفيذها سوى إنقاذ المرض وإعطائهم قبلة الحياة من جديد، كان هذا ما يراودها، فكيف يمكنها التبرع بأعضائها للمرضى من بعدها عقب وفاتها، سؤال يسبق عمرها وقدراتها الفكرية، لكنهه لم يسبق مشاعرها وعاطفتها تحاة غيرها مثلما تحدثت: «طول عمري متربية عن اللي معاه يساعد اللي مش معاه، مكنتش فاهمة أوي ولا حتى مطلعة بطاقة، ولقيتني بسأل هو ينفع لما أكبر أعمل تنازل عن أعضائي بعد ما أموت لو مريض محتاجها عشان يرجع للحياة من تاني؟».

بحلم بالتبرع بالأعضاء من قبل ما أطلع بطاقة

سنوات طويلة مرت على السيدة رضا دينا، أكثر من خمسين عامًا، ذاقت أشكال النجاح، الزواج الذي لم يكتب له القدر الاستمرار، ولم يرزقها الله بابناء، لكن ظل حلم التبرع بالأعضاء بعد وفاتها يروادها،  فعلى الرغم من أن قد يكون الأمر غريبًا للبعض، فمن يتنازل بكامل إرادته على تشريح جسده وأخذ قطعة منه حتى وإن لم يكن على قيد الحياة، ولكن بات الأمر يحمل لـ «دينا» الكثير من المعاني الإنسانية، وهي تفكر وتحاول أن توهب قطعه منها لإنقاذ إنسان والحفاظ على حياته من خلال التبرع له بعضو أو نسيج، بات لا فائدة منه لك عقب الموت.

التشجيع من البعض، واختلاف وجهات النظر من البعض الآخر، لم يحرك لها ساكنًا نحو محاولاتها، بل ورغبتها التي استطاعت تحقيقها في 2018، بعدما علمت بإمكانية توثيق تبرعها باعضائها بعد وفاتها بالشهر العقاري: «الموضوع طول عمره في بالي، فضلت أحاول وأدور واسأل لحد ما عرفت إن أخيرًا بقى فيه وثائق للتبرع، وأقدر أوثقها في الشهر العقاري، وده اللي عملته ووثقته وبقيت أول مصرية توثق تبرعها بالاعضاء في الشهر العقاري».

ماذا كتبت السيدة دينا رضا بوثيقة التبرع بالأعضاء؟

«إقرار بعد وفاتي، وعدم استحالة عودتي للحياة، بالتبرع بأي عضو يمكن نقله من كبد - كلى - رئة - الأمعاء- البنكرياس أو نسيج يمكن نقله لجسم آخر، لأي مريض يمكن الاستفادة منه للحفاظ على حياته» بهده كلمات وضعت دينا رضا، إمضاء على الوثيقة الرسمية، للتبرع بأعضاء جسدها بعد وفاتها لشخص آخر، على أمل أن تكون قطعة من جسدها هي التي تعيد إحياؤه مرة أخرى للحياة.

هعمل إيه بيهم تحت التراب؟

سؤال استنكاري، وربما مبرر لقرارها  حديثها لـ«هُن» مؤكدة أنه لا حاجة لها بالأعضاء عقب الوفاة والدفن، فما أهميتهما تحت التراب بالمقارنة بأهميتهم الشديدة لإنقاذ حياة شخص آخر:«اتعلمت من أهلي إن الحاجة اللي مش محتاجاها في مليون غيري محتاجها، فهعمل ايه بيهم تحت التراب، ومين قال إني متبرعة بيهم بدون مقابل، طب بمقابل الدعوة الحلوة، مقابل الثواب اللي هكسبه لما أنقذ حد غيري».

من وزارة الصحة، للجنة العليا لنقل وزراعة الأعضاء، وحتى الشهر العقاري كانت رحلة «دينا» منذ 5 سنوات، التي أتمتها في النهاية، لتصبح أول سيدة توثق تبرعها بأعضائها بعد وفاتها، بحسب ما ذكرته لـ «هُن»: «أنا حتى العظام والجلد متبرعة بيه، أنا مش عاوزة حاجة، ماليش حد ومبيونسنيش إلا (كلبتي رفيقتي) لكن في بني آدمين تستاهل إننا ننقذ حياتها، ونمشي رحلة التوثيق دي عشان خاطرها». 

السرطان يهاجم أول سيدة توثيق تبرعها بأعضائها

صدمة تلقتها دينا رضا، منذ شهرين، ربما أربكت كل حساباتها، أو حتى أحلامها حول تبرعها للآخرين بقطعة من جسدها، إذ اكتشفت اصابتها باللعين، ليصيب الخبيث جسدها، فعقلها شارد فور تلقي الخبر من الطبيب، هل تبدأ العلاج؟ وهل له جدوى؟ وماذا عن أعضائها هل يمكن الاستفادة بها؟ وأين تذهب رفيقتها الوحيدة (كلبتها) إذ لم يكتب لها الشفاء؟ 

أسئلة كبيرة دارت في أذهان السيدة التي كشفت عن معركتها الشرسة ضد السرطان: «اكتشفت من شهرين إصابتي بالمرض الخبيث في الرئتين، والعظام، والعمود الفقري، وحتى الغدد الليمفاوية، منتشر في جسمي ومرحلة رابعة، يعني آخر مرحلة خلاص».

رضا بقضاء الله وقدره، وصوت يملؤه الشجن تتحدث به السيدة: «مفكرتش إلا في الناس، ياترى لو حصلي حاجة أقدر أتبرعلهم بإيه، ياترى ايه هيفيدهم وايه مبقاش خلاص ينفع، يمكن ده أول حجة جت فبالي معقولة طول السنين دي بحاول أحقق حلمي ودلوقتي مش عارفة هعمل ايه». 

لم يتوقف تفكير أول سيدة توثق تبرعها بالأعضاء على هذا الأمر فقط، بل باتت تُفكر في مستقبل «كلبتها»: «فكرت في شخص أمين يرعاها من بعدي، ووصيت بده، هي مالهاش غيري وأنا ماليش غيرها».

وصية وصورة الوثيقة تضعهما السيدة دينا رضا على طاولتها: «محطوطين قدامي، مش عارفة القدر مخبي ايه، لكن متأكدة إن دول أهم طلبين عندي وهلاقي الأمين اللي ينفذهم ويعمل بيهم».