رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

منال عزام تكتب: جعلوني متزوجا.. «جروبات عائلية»

كتب: منال عزام -

05:56 م | الخميس 25 فبراير 2021

منال عزام

كانت حياتنا أفضل بكثير قبل أن نصبح مجرد جروبات.. جروب البيت والمدرسة وجروب عائلي يتفرع منه جروبات عائلية كثيرة لا حصر لها.. وتحت مسمى «الواتساب حياتنا أصبحت غاب».

 نعم.. الكبير يأكل الصغير والقوي يهزم الضعيف والمسكين لا نصير له في جروبات العائلات والصداقات، والأحزاب والفرق والجماعات، وفي الوقت الذي ظننت فيه أن هذه الجروبات بريئة وتخلو تماما من السياسات، اتضح أنها السياسة بعينها، لتصبح فيها كعضو في أي جروب، مجرد شخص مقهور مستضعف كل المطلوب منه أن يصفق ويهلل لأعضاء الجروبات المختلفة ويحني رأسه باحترام شديد وإجلال عندما تصدر منهم أي إشارة، هذه ليست مبالغة ولكنها الحقيقة المرة، وإذا حاولت الخروج عن هذا القانون يكون مصيرك الإعدام شنقا بمعنى الإقصاء والتجاهل واعتبارك غير موجود على الجروب أو على أقل تقدير منفي مثل سعد زغلول وإن كان سعد زغلول رمزا للأمة فستكون أنت رمزا للولايا والمستضعفين والغلابة يعني لا هتحصل بلح الشام ولا عنب اليمن.

ومن هذا المنطلق كانت تجربتي مريرة مع كل الجروبات تقريبا.. بداية من زوجي الذي وجدت من الواتساب فرصة عظيمة للتواصل معه، فكنت أرسل له النكات والطرائف والغرائب والعجائب أملا في أن يبتسم وينشكح ويستجيب ولكنني ـ ويا للأسف- وجدته يقابل هذه الدعابات السخيفة والمحاولات البائسة بالتجاهل التام «نملة وعدت» وحينما سألته بكل براءة مستفسرة رد ببرود قائلا: «ما أنا باشوفك وجها لوجه كل يوم.. مش محتاجين واتساب يعني.. هارد أقول إيه» في الوقت الذي أجده علي جروب العائلة ناشط سياسي ومحلل بارع ومشاهد من الدرجة الأولى وجاهز طوال الوقت بالتعليقات الساخنة: «الله.. إيه الجمال دا.. وحشتوني.. مفيش صور تانية.. كان نفسي أكون معاكم» لهذا قررت أن أقصر الشر وأكف عن إمطاره بسخافاتي، أما هو فلم يسألني مره واحدة عن سر توقفي وامتناعي عن الاستقبال والإرسال.

وتوالت الجروبات عاصفة.. جروب النادي وجروب المدرسة وجروب الشغل وجروب الأصدقاء وجروب العائلة السعيدة المتفرع منه عدة عائلات صغيرة لتصبح الحياة أفضل.

وحدث ولا حرج عن كل جروب، وبما أنني دائما الأقل مشاركة أفاجأ كل يوم بمئات الرسائل على جروبات النادي والمدرسة وكلها رسائل تنحصر في استعراض المعلومات والمواهب والقدرات وإثبات الأفضلية، لتكتشف في النهاية إن أولادك هم الأكثر تخلفا وتأخرا عن أقرانهم من خلال تعليقات من نوعية: «استار إيه يا بنتي ابني ف الفريق من زمان، كابتن حسام مبيدربش غير مستوى معين.. كريم نقص درجة في الماث وبهدلته.. بديله كورسات فرنش وإسباني .. اوعي تكوني بتعتمدي على كتاب المدرسة.. المدرس اللي بيجلنا بيديله ف مستويات تانيه خالص.. هو لسة بياخد دروس عند مستر حسن».

 ولهذه الأسباب مجتمعة لا أحاول التعليق أو الإدلاء برأيي ولهذا فوجودي على الجروب تقريبا مثل عدمه.

وبالنسبة للجروبات العائلية فالهروب منها شبه مستحيل، فأنت مطلوب فيها بالاسم ليس لأهميتك ـ لا سمح الله ـ ولكن لأنك عضو في الجروب والأعضاء لا تقطع ولا تستبدل إنما تضحي بنفسها كي يعيش بقية أعضاء الجروب. 

يبدأ الأمر بصور للأولاد والرحلات والحفلات والمناسبات والزيارات وحفلات الشوي وأنت دورك في كل هذا عزول، ولكن من المطلوب بل من الواجب أن تبدي إعجابك الشديد وحماسك وفرحتك بتعليقات من نوع: «إيه القمر دا.. كبرنا واحلوينا.. تجنن.. الله أكبر.. محروسين م العين.. وحشونا قوي.. هييجوا امتى"، وهكذا دواليك،  وبالطبع إذا لم تصبح عضوا نشطا ويظهر صوتك مع كل صورة فأنت بلاك ليست وحتى إن علقت بلاك ليست أيضا والسبب غير معروف.

ولا أنكر أنني حاولت الاندماج مع هذه الجروبات بكل طاقتي وقررت مرةـ رغم أنني أكره هذا الأمرـ أن أدلو بدلوي وأرسل صورة عائلية لطيفة للأولاد كما يرسل الجميع صورهم بما فيها صور بطاقاتهم الشخصية ولكنني فوجئت بصمت تام وكأن الجروب في جنازة أو حداد وتساءلت بيني وبين نفسي: «هو أنا عملت حاجه؟!! محدش علق ع الصورة ليه؟!! هو أنا لا سمح الله مش من العيلة!! طيب شكلنا وحش في الصوره؟!!» ولم أجد حتى الآن ردا لهذه الأسئلة.

وتزيد الجروبات عن حدها حتى تنقلب بطبيعة الحال لضدها لتصبح ساحة الواتساب أقرب لساحات المعارك الطاحنة وتجنبا لأي إصابات أجدني أنزوي في ركن بعيد هاديء لأراقب سيل الرسائل والمباركات والمعايدات والمطاحنات والمشاحنات والصور والجوابات وأنا أعلم أن الكل متحفز وينتظر خطأ صغير ليحدث به مشكلة كبيرة ليتم صيدي بكل سهولة في إحدى المناسبات العائلية حينما يتحلق من حولي الأقارب وتبدأ التعليقات: «معلقتيش يعني على صورة بنت هشام.. وللا متشبهش عيالكم.. نزلت كارت المعايدة ومحدش  عبرني.. هي ابتهالات يوم الجمعة كمان وحشة.. مبتحبيش الوصفات اللي بانزلها وللا إيه.. على فكرة الفستان اللي كانت لبساه جيجي جيلها من برة».

ولأني لو تابعت كل هذه الجروبات فسأنتهي لسرايه المجانين فكنت أهز رأسي مبتسمة، وأنا أحاول تطييب خاطر الجميع وأتذكر المرار الحقيقي حينما يهل عيد ميلاد أي شخص من الجروب العائلي ونضطر صاغرين أن نحييه وندعو له بأن تصبح حياته أفضل ولأن الجروب به عشرات الأشخاص الذين أضافهم الأدمن ـ بدون أي مناسبةـ تجد نفسك مضطرا لتقبل 150 مباركة في عيد ميلادك والرد عليهم جميعا وإذا نسيت شخصا ـلا سمح اللهـ تصبح كارثة حقيقية لينتهي عيد ميلادك أسوأ نهاية وقد تورمت عيناك وتصدع رأسك ولا تستبعد أبدا أن تجد أحدهم ـ مأموص ـ في النهاية لأن اسمه دون أن تدري سقط منك سهوا وقد تصبح قطيعة ويبدأ بسببها رحلة الأخذ بالثأر بين العائلات.

خرجت من كل هذه الجروبات بمشكلات نفسية كثيرة ومشاحنات وخلافات ومعارك وقطع تام للثقة والود والتواصل رغم أن الهدف الأساسي من هذه الجروبات كان التواصل الاجتماعي.

وبينما أسير بين الجروبات كالسائر في حقل ألغام ذهبت للجروب الأحب لقلبي أنشد فيه الراحة والسكينة.. ثلاثة من الأصدقاء أبعد ما يكون عن الغضب وتصيد الأخطاء واللوم والتقريع بسبب وبدون.. وانطلقت كعادتي أرسل عبارات لا أفكر أبدا في تبعاتها: «صباح الخير.. وحشتوني.. بعيدا عن جروب النكد إياه خلينا إحنا بقى مع بعضينا.. سبنالهم النجاح وخليلنا إحنا الفشل.. شوفتوا حفلة الصور بتاعة النهاردة.. الفقرة دي تحديدا بتزهقني قوي.. هاعلق في الفقرة الجايه عشان ما اتاخدش غياب».

عندها وبدون سابق إنذار وجدت رسالة من صديقتي تظهر لي فجأة وهي ترسل وجوها ضاحكة ومفزوعة ومتوجسة وهي تحذرني: «بتكتبي على أنهي جروب يا فالحة.. روحنا كلنا في داهية».

عرفت وقتها أنني دون أن أدري من كثرة الجروبات ألبست هذا طاقية ذاك وأسرعت لأمسح غلطتي الشنيعة وتعليقاتي اللاذعة وأنا أتخيل أعضاء الجروب جميعهم يرمقونني شذرا.. محوت التعليقات من الجروب ولكنني لم أمحوها أبدا من الذاكرة فقد رآها الجميع وسجلوها في أعماق قلوبهم.

ومن يومها وأنا عضوة غير عاملة في أغلب الجروبات أجلس على دكة الاحتياطي لا أشارك ولا أبارك ولا أرسل ولا أستقبل.. غير مسموح لي بالتواصل وغير مسموحلي أيضا بالانسحاب.