رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

منال عزام تكتب.. جعلوني متزوجا «فوتوشوب»

كتب: منال عزام - هن -

10:45 م | الخميس 18 فبراير 2021

الكاتبة منال عزام

في الآونة الأخيرة لم أعد أنظر لوجهي في المرآة.. ولماذا أنظر إذا كانت الإحباطات في حياتي متكررة؟.. شيء طبيعي بالنسبة لامرأة ألا تخرج عن محيط واحد لا يتغير.. بداية من زوجي الذي لا يكف عن التحديق في موبايله وأجهزته الإلكترونية ناهيكم عن تنقله كالفراشة بين نشرات الأخبار على جميع المحطات العالمية وأفلام الأكشن وأفلام الرعب والأفلام البوليسية ومباريات كرة القدم الدولية منها والمحلية، وبهذا فليس لديه وقت لينظر لزوجته ولو على سبيل المصادفة.. وحينما أحاول لفت نظره بقصة شعر جديدة أو ملابس مختلفة أو رشاقة غير مسبوقة تكون ردود فعله وكلماته مثيرة للحزن والشفقة: «مش هو ده الفستان اللي اشترتيه غالي وطلع رخيص ع النت.. إيه الفرق يعني؟!! آه زدتي شوية!! معلش يا ستي إنتي مش داخلة في مسابقة ملكات الجمال.. البتاع ده متخنك قوي.. مش جديد ولا حاجة.. شفته عليكي 100 مرة قبل كدة».

لهذا توقفت تماما عن محاولة لفت نظره حتى لا أحرج نفسي أكثر من هذا وبالنسبة لوالدته فحدث ولا حرج عن ردود أفعالها المختلفة والتي حفظتها عن ظهر قلب.. فإذا قالت: «إيه الحلاوة والجمال ده.. خسيتي قوي يا زيزي» أعلم وقتها إنها تقول هذا لأنني أحضرت لها الخضار الذي طلبته وحشيت لها الحمام وجلست معها بالساعات لأشرح لها كيف تستخدم الفيسبوك وتدخل على جروبات الواتساب وتتبادل  التشات في جروب المعاشات.

وإذا قالت وهي تشيح بوجهها بكل استياء وقرف: «تخنتي قوي اليومين دول.. فين الرجيم اللي كنت مصدعانا بيه.. الفستان ده مش لايق عليكي خالص.. هو إنتي فاكرة نفسك عيله صغيرة» عندها أتأكد أن هدية عيد ميلادها لم تعجبها والحلوى التي اشتريتها لها لم تكن على المستوى المطلوب.. لم يبق إلا الصديقات ومعظمهن مجاملات بالسليقة «يعني كله سلق بيض» فأجد صديقتي المقربة تمطرني بوابل من المديح غير المبرر وعذرها أنها تريد أن تستلف حقيبتي الجديدة أو تستشيرني في أمورها الشخصية أو تجر رجلي لأخرج معها في مشوار من مشاويرها المتعددة فأجدها تقول دون أن تكلف خاطرها بعناء النظر إلى وجهي: «قمر يا ناس.. كل مدى بتصغري.. ايه الحلاوة دي يا بت.. شعرك لونه تحفة.. اصبغيلي شعري بقى بنفس اللون وخليكي جدعة».

لم يعد يشغل بالي هذا الأمر وقررت أن أكف عن التفكير في آراء الآخرين وبينما أجلس مع أمي في المطبخ لنقشر البصل والتوم ونعجن ونخبز أخبرتني والدموع تطفر من عينيها أن طنط زينات توفيت منذ عدة أيام.. أصابني الأسى البالغ وقفزت دموع الحزن من عيني ووجدت أمي تسألني أن أبحث عن رقم ابنها لنعزيه ونواسيه في مصيبته الكبرى وبالفعل بحثت عن الرقم واتصلت به ولكنه لم يرد فقررت أن أبعث له رسالة على الواتساب أمطرته خلالها بعبارات الرثاء الحارة وكلمات الأسى وديباجات المواساة وبعدها عدت لأكمل مشوار الطبخ مع أمي فوجدت موبايلي يرن بإلحاح وبينما افتح الخط وجدته ابن طنط زينات فأعدت على مسامعه كلمات المواساة ودموعي الصادقة تسقط على وجهي أنهارا.

وكما جرت العادة شنفت أذنيه بفضائل المرحومة لأؤكد له مدى حزننا وأسانا علي مرارة فراقها ووسط كل هذا وبينما كان وجهي غارقا في الدموع الحقيقية سمعته يقول بفضول بالغ: «كنت عايز أسألك سؤال كدة» مسحت دموعي وأنا أعد لنفسي لأسئلة من نوع «نعملها كام خاتمة؟! نجيب لها كولدير ميه ونحطه جنب الجامع؟!! وزعنا المصاحف وفاضل كام مصحف تاخدوهم؟» ولكنني وجدته يقول بكل لهفه وترقب: «هي الصورة اللي ع الواتساب دي صورتك وللا صورة بنتك» كفكفت ما تبقى من دموعي بظهر يدي وأنا لا أكاد أستوعب السؤال، وكاد الموبايل يسقط من يدي وأنا أؤكد له بدهشة أنها صورتي وأقسمت له على ذلك فوجدته يهتف بصوت تملؤه الفرحة والبهجة والسرور: «بسم الله ماشاء الله.. الله أكبر.. طول عمرك جميلة وزي القمر.. هيه الناس لما بتكبر بتحلو وتصغر كدا..  نمسك الخشب يا ست البنات والله».

لم أصدق ما سمعته أذناي وتذكرت أن زوجي رأى الصورة مئة مرة ولم يعلق بتعليق واحد وحتى حينما طلبت منه أن يساعدني في اختيار الصورة المناسبه قال لي وهو يلوح بيده متأففا : «أي حاجة.. مش هتفرق يعني» اعطيت أمي التليفون وذهبت في عالم آخر وأنا أتذكر ابن طنط زينات وهو يلعب معي في ساحة المنزل حينما كنا أطفالا وهمست لنفسي: «كان عيل رخم ورذل صحيح لكن مش مهم.. كفاية إنه رفع روحي المعنوية».

وعدت من بيت أمي وأنا كالفراشة الطائرة وكلمات ابن طنط زينات ترن في أذني كأجمل أنشودة.. يومها لم أنتبه لزوجي بأجهزته المتعددة ولا لشروده المستمر ولا لنشراته الإخبارية وماتشاته العالمية والمحلية ورسائله الإلكترونية اللانهائية، وحينما سألني بدهشة عندما لاحظ ابتسامتي العريضة وصمتي العجيب وهزة رجلي التي تشبه في إيقاعها بندول الساعة: «هو فيه إيه؟!!» فقلت له وأنا لا أستطيع إخفاء ابتسامتي وفرحتي: «طنط زينات اتوفت.. وكلمنا ابنها نعزيه.. الله يرحمها ويحسن إليها عرفت تربي بصحيح».

لم يفهم زوجي سر ابتسامتي ولا المعنى المستتر خلف كلماتي لكنه أحس بتغيير كبير في نظراتي وأنا أهمس لنفسي قائلة دون أن أعيره التفاتا: «صحيح الصورة كان معمولها فوتو شوب لكن الراجل طلع عنده نظر.. الله يرحمك ويبشبش الطوبة اللي تحت راسك يا طنط زينات».