رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

اتهمت بالجاسوسية ودخلت مصحة عقلية.. من هي نيللي بلاي التي لفت العالم في 72 يوما؟

كتب: هبة وهدان -

05:30 ص | الخميس 14 نوفمبر 2019

نيللي بلاي

في مثل هذا اليوم، وتحديدًا قبل 130 سنة، كانت الأمريكية نيللي بلاي، على موعد لتكون أول صحفية تبدأ محاولة ناجحة للسفر حول العالم في أقل من 80 يومًا.

و"نيللي" اسمها الحقيقي إليزابيث جين كوشران، عرف عنها أنها لم تكن محبة لصحافة المكاتب والتواجد داخل المؤسسة الصحفية، إيماناً منها بأنّ الصحفي يعيش في الشارع، وسط زحام المواطنين وتفاصيل حياتهم الغنية بالكثير من القصص.

كانت تتعالى على الموضوعات الثقافية، وتضحك عندما يطلب منها الكتابة عن الخياطة والحياكة، أو تغطية الأمسيات الشعريّة الرومنسيّة حتى أن مدراءها كانوا يهتفون فيها "مين مفكرة نفسك"، فكانت تكتفي بتزيين وجهها "المُتمرّد"، بابتسامة صغيرة، قبل أن تقول بهدوء يخفي خلفه عشرات المغامرات والجنون الخلاق، "أيها السادة، أنا نيللي بلاي!".

لم تكن "نيللي" مغامرة في مهنتها فحسب، بل أنها كانت أول امرأة تَقتحم الصحافة الأمريكيّة عام 1885، وغيّرت أسلوب كتابة التحقيقات لتجعلها أكثر إنسانيّة، فكانت عبارتها المُفضلة: "علينا أن نعيش الألم لنكتب عنه"!

كانت تخشي "نيللي" الملل والرتابة في حياتها ولذلك كانت منطقلة، الأمر الذي دفعها عام 1889 إلى اتخاذ قرار مصيريّ أدخلها كتاب التاريخ، وهي لم تتعدَ الـ25 بعد، حيث قرّرت أن تقهر الكاتب الفرنسي الكبير جول فرن، وتتفوّق على شخصيّة روايته: "حول العالم في 80 يوماً"، فيليس فوج، وتجول العالم خلال 72 يوماً!.

قبل انطلاق ابنة الـ25 عاما لرحلتها، التقت بفرن، وحاورته بثقة، فَنظَر إليها بمحبّة أبوية، وقال مُبتسماً، "حبيبتي الصغيرة، بقدر ما أدعم اندفاعك، لا أعتقد أنّه في إمكانك التغلّب على بطل كتابي، فيليس فوج، وأن تجولي العالم في أقل من 80 يوماً"! ، إلا أن زوجته نظرت إليه بهدوء قائلة: "جول، صدقّني، هذه الفتاة ستجعل أبطال قصصك يبدون سخفاء!".

وحسب صحيفة "النهار اللبنانية"، فإن نيللي الشابة العشرينية ارتدت ثوباً رثاً ومعطفاً بنياً، ووضعت بعض الأغراض الأساسيّة في حقيبة صغيرة، وجالت العالم سيراً، وفي القطار والباخرة، يُرافقها قرد صغير واجه معها الأخطار والعقبات على مدى 72 يوماً، بينما كانت الصحف العالميّة تُتابع هذه الرحلة التاريخيّة بأدق تفاصيلها.

بالرغم من أن الجميع كان ينتظر فشل الصحفية التي تحدث العالم حينها، إلا أنها لم تسمح لأحد أن يكسر تهورها، وبالفعل تمكّنت "نيللي"، التي خشيت الملل أكثر من الموت، من أن "تهزم" شخصيّة فيليس فوج الروائيّة، وسرقت ضحكة سعيدة وقويّة من جول فرن الذي هتف قائلاً لزوجته: "لن يَشهد التاريخ على فتاة مُماثلة قبل فترة طويلة، وطويلة جداً"!

كون "نيللي" أول صحفية أمريكية، خاضت الكثير من التجارب التي يعتبرها صحفيو اليوم قصص قديمة، فخاضت مُغامرة جديدة، وبدعم هذه المرّة من الناشر جوزف بوليتزر الذي قال عنها أنها أهم صحفيّة دخلت مكتبه، وذلك بعدما دخلت إلى مصحّة للأمراض العقليّة اعتبرها البعض الأكثر رعباً في نيويورك، وعاشت فيها 10 أيام مع النساء اللواتي عوملن، بحكم أمراضهن العقلية، أسوأ معاملة يُمكن أن يتخيلها العقل. 

الأيام التي قضتها "نيللي" بصحبة هؤلاء النسوة، خرجت منها بسلسلة من التحقيقات هزّت الرأي العام الأمريكي، وطلب أبناء نيويورك بإقفال هذا المكان المرعب.

لم تستمر مغامرات الصحفية، بل أنها قبل رحلتها حول العالم وسلسلة التحقيقات تزوجت وذلك عام 1885 من المليونير روبرت سيمان، وعاشت معه الرفاهيّة كما يقول الكتاب، إلا أن هذا لم يكن يستهويها وكانت تحلم دوماً بالعودة إلى مغامراتها والتي أعادها إليها القدر مع اندلاع الحرب العالميّة الأولى عام 1914، كتبت أهم التحقيقات والأخبار المُباشرة من ساحة الحرب الدامية، وصارت أول مُراسلة على الجبهة.

عشق "نيللي" لسرد مغامرات الحرب العالمية، أوقعها في يد الجيش البريطاني الذي اتهمها بالتجسس، فما كان منها إلا أن ردت على هذا الاتهام بابتسامتها الصغيرة المعهودة، تبعتها بجملة واحدة :"أيها السادة لستُ جاسوسة، أنا نيللي بلاي!".

"نيللي" كانت أول صحفية تحقيقات في العالم، جاء انضمامها لعالم الصحافة وذلك عام 1880 بهد أن قرأت مقالاً في الزاوية المخصصة لأحد الصحفيين في صحيفة بيتسبيرج ديسبات، حيث كان يحمل المقال طابع جنسي تعصبي ويستخدم لهجة معادية للمرأة كان بعنوان "ما الأعمال التي تصلح لها المرأة" وكان المقال يحتوي في مضمونه عبارات مثل "سوى الزواج والأمومة لن تفهم أي شيء ولن تصل لأي شيء آخر" كتبت إليزابيث رداً شديد اللهجة للصحفي صاحب هذا المقال.

الرد الناري الذي بعث به "نيللي" جاء بتوقيع "فتاة يتيمة" والذي انتقدت من خلاله أراء الكاتب ووصفتها بالخاطئة حتى استطاعت لفت انتباه رئيس تحرير الصحيفة وبدأت العمل في هذه الصحيفة وأصبحت بذلك أول امرأة تعمل في تلك الصحيفة.

وعام 1922 ودع العالم نيللي بلاي عن عمر 58 عاماً بسبب التهاب رئوي حاد وما زالت تعتبر حتى اليوم واحدة من أفضل الصحفيين الاستقصائيين في التاريخ، لقب لم تكتسبه بلاي بسهولة، بل حصلت عليه بفضل شغفها الكبير بكشف الحقيقة، وتطلب منها عملاً شاقًّا وفريداً من نوعه، حتى وصل بها الأمر إلى دفع نفسها إلى حافة الجنون لتحفر اسمها في تاريخ الصحافة العالمية.