رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

علاقات و مجتمع

زوجات مدمنات يبحثن عن التعافى فى «مستشفى العباسية»

كتب: آية المليجى -

12:09 م | الأحد 13 أغسطس 2017

واجهة العيادات الخارجية

قصص من عالم الواقع وليست من نسج الخيال، نساء صغيرات تحولن إلى مدمنات على يد أقرب الناس لهن، فبدلاً من أن يكون بينهم مودة ورحمة صار بينهم تامول وترامادول وهيروين وحشيش.. أزواج من «عالم تانى» قدموا المخدرات لزوجاتهم لأغراض فى أنفسهم، فمنهم من كان يريد الرغبة الجنسية، ومنهم من كان يريد أن يورطها فى الإدمان مثله، وفى الغالب انتهت هذه العلاقة الزوجية بالطلاق وتفرق الزوجان أو الخصمان، كلٌ فى طريق الضياع، أو البحث عن نصف فرصة للتعافى.

من داخل إحدى الغرف الصغيرة بالعيادة الخارجية المخصصة للسيدات بمستشفى العباسية، التقت «الوطن» بعدد من السيدات اللائى أدمنَّ المخدرات على يد أزواجهن.

بدأت رحلة شيماء (اسم مستعار) مع إدمان المخدرات على يد زوجها منذ نحو 9 أعوام، لم تكن الوحيدة بين سيدات دخلن عالم المخدرات على يد أزواجهن، أو ربما كانوا شركاء لهن فى هذا الطريق المظلم.

حرارة مرتفعة ورعشة آلام الإنفلونزا، اعترت جسدها الضعيف أثناء فترة حملها، أيقظت زوجها من نومه العميق مستنجدة به، ليعطيها قرصاً أحمر صغيراً ويخبرها بأنها ستكون فى أحسن حال إذا تناولته، انتابها شعور بالقوة والحيوية المفرطة بعد تناول «التامول» على يد زوجها.

فى الموعد المحدد لجلسة المتابعة أتت «شيماء» بوجه غلبه السواد، وجسد أنهكه التعب، وملابس رثة ارتدتها بعدما اتخذت من مهنة التسول وسيلة تجمع بها المال لشراء المواد المخدرة، فقد تزوجت وهى ابنة 18 عاماً من شخص يعمل فى إصلاح إطارات السيارات، وسارت الأحوال على ما يرام حتى دخل زوجها طريق الإدمان على يد أصدقائه متناولاً شتى أنواع المخدرات، فانجرفت معه فى هذا التيار حيث كانت تتناول 5 أقراص يومياً وحينما زادت المصاريف طلب منها أن يشترى كل واحد منهما لنفسه. 

 

بأنفاس متقطعة استرجعت «شيماء» الألم الذى عاشته مع زوجها طلباً لـ«التامول»، إلى أن ساقها زوجها إلى سيدات يبعن هذه المواد الممنوعة فى إحدى مناطق الخصوص «بقيت أشحت قدام الجوامع وأروح أشترى من هناك»، ومع كثرة خروجها من المنزل لجمع المال تسلل الشك فى نفس زوجها الذى انتابه شعور بالريبة تجاه سلوكياتها، معتقداً قيامها بعلاقات غير سوية مع رجال آخرين.

«شيماء» التى تجردت من مشاعر الأمومة مع طفلتها ذات الـ7 أعوام تقول، قائلة «لما تيجى تكلمنى باضربها وباصرخ فى وشها، وما إن أتناول الأقراص تعطينى شعوراً بالسعادة فأرتدى ثوب الأمومة من جديد وأبدأ بالتعامل معها بلطف وحنان».

آلام شديدة فى الظهر وحرارة مرتفعة وقىء وغيرها من أعراض الانسحاب التى يواجهها جسدها الواهن، حينما عقدت النية على التعافى من الإدمان منذ شهر مايو 2016، وما بين التردد على العيادة والعودة إلى الإدمان مرة أخرى، رحلة شاقة قطعتها منذ عامين، حيث تم حجزها 3 أشهر.

«عاوزة أبطَّل عشان أفوق وأشوف بنتى» الجملة التى أنهت بها «شيماء» المتابعة الدورية، مرددة بعض الدعوات البسيطة طلباً للشفاء، مغلقة باب العيادة متجهة إلى رحلة جديدة من العلاج.

يظل باب العيادة مفتوحاً على مصراعيه، فتدخل سعاد (اسم مستعار) جسدها ضئيل خطواتها متعثرة، على وجهها ابتسامة صغيرة أملاً فى التعافى، متذكرة الحالة السيئة التى انتابتها حينما تركت خطيبها السابق لتستغل صديقتها الموقف وتعطيها جزءاً صغيراً من قرص «ترامادول»، وبين الحين والآخر كانت تتناول قرصاً كاملاً، حتى تعرفت على زوجها الذى أراد أن ينال رضاها بشتى الطرق «شغال ميكانيكى وماكنتش موافقة عليه، بس هو كان عايز يرضينى ويجيب لى أى حاجة عايزاها».

شريط كامل من الترامادول بات جرعاتها الأساسية يومياً بمنزل الزوجية الذى كان المأوى فى تناول أنواع مختلفة من المخدرات، بمشاركة شقيقتها بعد أن اكتشفت أنها لحقت هى الأخرى مع زوجها بالدائرة متناولة الهيروين، وتقرر «سعاد» تجربة البودرة البيضاء «خدتها بطرق مختلفة منها الحقن لغاية لما عروقى كلها اتحرقت» ثم أصبحت الأقراص الصغيرة بمثابة الطعام والشراب.

الطرق المختلفة التى اتبعتها «سعاد» لتناول الهيروين مع زوجها، كانت سبباً فى إصابته بفيروس التهاب الكبد الوبائى «C»، حيث قالت: «كنا بنضرب بنفس السرنجة، واشتعلت الخلافات الزوجية بيننا نتيجة الإنفاق الكثير على العقاقير وكان بيزعقلى ويقولى كل شوية: أجيبلك بودرة بـ200 جنيه فى اليوم؟»، حتى اضطرت للاستغناء عن أثاث منزلها ولجأت إلى جيرانها طلباً للمال، بينما اتجه زوجها فى طريق بيع الحشيش لتلبية احتياجاتهما.

تعرفت «سعاد» على أصدقاء جدد بدأت معهم رحلة شراء المخدرات من أماكن نائية بالصحراء بسعر رخيص، فذهبت إليها لأخذ ما يكفيها لمدة أسبوع «صاحبتى اللى علمتنى المخدرات ماتت».

مشاهدة «سعاد» وهى المرأة العشرينية أحد إعلانات صندوق مكافحة الإدمان على التليفزيون كان بمثابة القشة التى تعلقت بها لتقرر التعافى وتبدأ رحلة علاجها المتقطعة منذ عامين رغبة فى التعافى بعدما خسرت كل شىء، وأخبرت والدتها بهذه النية فانتابها شعور بالسعادة الغامرة حتى فكرت فى بيع ملابسها لمعالجة ابنتها.

نظرات من الشك والريبة سكنت عينى شقيق «سعاد» الأصغر فى كل مرة تعود فيها إلى المنزل بعد جلسات المتابعة التى حرصت على حضورها ضمن رحلة علاج طويلة لم تنته بعد، غير مصدق سيرها فى درب النجاة «كان دايماً يبصلى ويقول لى أنا شاكك فيكى أنتى واخدة حاجة»، ولم يكتف الأخ بالنظرات التى تركت أثراً فى نفسها، بل وصل الأمر إلى حد العنف البدنى ووضع بصمات تعذيب مبرحة على جسدها، ففى إحدى المرات قام بسحبها من قدميها بكل قوة وعنف وربطها فى السرير مع شقيقتهما الثالثة التى تسلك نفس الطريق المشئوم، وانهال عليهما ضرباً أملاً فى قطع أرجلهما تماماً حتى تعجزا عن الحركة خارج حدود المنزل باحثتين عن السموم البيضاء التى يتناولانها.

«على الحلوة والمرة» كان هذا هو لسان حال «سعاد» مع زوجها بعدما قرر مشاركتها فى التعافى من الإدمان، وحاول مساندتها فى طريق العلاج «ماكنتش أتخيل أنه يقف جنبى».

تنطلق بخطوات متثاقلة بين العيادات، تطل من وجهها ابتسامة بسيطة تحمل علامات التحدى، وجهها يقول إنها ثلاثينية العمر تصطحب معها والدتها فى زيارتها الأولى للعيادة، وعلى كرسى خشبى جلست هدى (اسم مستعار) داخل الغرفة الصغيرة وقالت «عاوزة أبطل عشان أمارس حياتى زى الناس» كلمات استهلت بها «هدى» حديثها، ودموع تحجرت فى عينَى والدتها التى جلست بجوارها مرددة بعض دعوات الشفاء، وبعلامات من الحزن ارتسمت على وجهها، استمعت للمرة الأولى قصة تناول ابنتها الترامادول على يد زوجها بعد أن أخبرها بأنه أشبه بالأعشاب الطبيعية «بعد ما خدته كنت حاسة إنى سوبرمان وكنت شايفاه رشدى أباظة».

شعور بالسعادة والراحة كان مصاحباً لها إثر تناول الترامادول إلى أن تعودت عليه وبدأت فى تعاطيه من وراء زوجها، ومع اكتشافه نقص الأقراص لم يعترض بل قدمه إليها بصدر رحب، الأمر الذى دفع الأم للوقوف بجوار ابنتها حتى طلقت من زوجها، وبدأت معها محاولات عدة للعلاج، كان آخرها داخل عيادة العباسية.

حالة جديدة تأتى إلى العيادة للمرة الأولى، يغمرها الإرهاق ليخبر عن مشوار طويل قطعته مديحة (اسم مستعار) فى هذا الطريق المهلك على يد زوجها أيضاً، ترافقها صديقتها التى أتت معها لتشجيعها على التعافى.

«عمرى ما اشتكيت من أى حاجة، وكنت بقول لماما أنا ليه مش بتعب» بعلامات التعجب بدأت حديثها غير مصدقة الحالة التى آلت إليها من آلام شديدة تعتريها كلما نوت التعافى والابتعاد عن تناول الأقراص الصغيرة.

تزوجت «مديحة» من شخص يعمل بالمحاجر وكان مقبلاً على تناول الترامادول لتحسين صحته الجنسية، ولم يخطر على بالها قط أن تشاركه تناول هذه الأقراص «كان بيبقى مرمى قدامى عمرى ما فكرت أجربه» إلى أن عرض عليها التجربة، وافقته واجتاحتها قوة مثل سابقاتها جعلتها تشتهى هذه الحبوب الصغيرة.

تعودت «مديحة» على تناول التراماودل مع زوجها غير مبالية بتدبيره، إلى أن حدثت خلافات زوجية بينهما ووقع الطلاق، وبدأت بمفردها رحلة البحث عن شراء الأقراص المخدرة لأخذ جرعتها اليومية والتى تصل إلى 5 أقراص.

صفات غير أخلاقية عادة ما يتسم بها بائعو المخدرات الذين لجأت إليهم «مديحة» عند شرائها «عمرى ما تخيلت إنى هتعامل مع الناس دول»، وبعد 12 عاماً من التعب كانت كافية لاتخاذ قرار التعافى، ولجأت إلى العيادة ناوية العلاج.

من 7 إلى 8% هى نسبة تعاطى السيدات للمخدرات، غير أن الكثير منهن كان على يد أزواجهن، لأسباب تعددت منها لمواكبته فى العلاقة الجنسية، أو تحمل الضغوط المنزلية، أو ربما كان للتخلص من آلام جسدية أصابتها، بحسب حديث الدكتورة هوانم الفقى لـ«الوطن»، وهى مسئولة قسم العيادات الخاصة بالسيدات فى القاهرة والإسكندرية، والتابع لصندوق علاج ومكافحة الإدمان.

فمع صباح كل يوم ثلاثاء وهو اليوم المخصص للسيدات بعيادة العباسية، تجلس «الفقى» على مكتبها بداخل إحدى الغرف مستقبلة عشرات الحالات ما بين المتابعة الدورية ومن جئن للمرة الأولى أملاً فى التعافى، وبصورة البطاقة فقط تتلقى الراغبات فى التعافى علاجهن داخل العيادات، وتبدأ أولى الجلسات مع الطبيب للتعرف على المواد المخدرة التى تم تناولها وإعطاء الأدوية المناسبة، وتوضيح أعراض الانسحاب التى تجتاح الجسد متمثلة فى الإسهال والقىء وحرارة مرتفعة وغيرها من الآلام التى تستمر لمدة 15 يوماً، مع كتابة رقم الخط الساخن لصندوق مكافحة الإدمان للاتصال به عند الحاجة.

وتضيف «الفقى» أن جلسات التأهيل مع الطبيب النفسى هى المرحلة الثانية التى تدخلها الراغبات فى التعافى، لمعرفة دوافع الإدمان وطرق مواجهة الضغوط المختلفة، لتقضى النساء فترة بين الـ3 و6 أشهر للعلاج، وربما تصل إلى عام كامل.

وتؤكد أن الترامادول والهيروين أكثر أنواع المخدرات المتداولة بين السيدات على مختلف الطبقات الاجتماعية، مضيفة أن مادة «كريستال ميث» التى يشبه بياضها الناصع مكعبات السكر، وغالباً ما تأتى من الصين وتركيا، ومن خلال الاستنشاق، يتم تناولها ليدمنها الشخص بعد 4 مرات، وعند تعافيه منها يواجه الاكتئاب الشديد.