وجه مشرق تكسوه ابتسامة عريضة لامرأة أربعينية، تشابهت ملامحها مع كثير من ربات المنازل، إلا أن خطواتها السريعة ونبرة صوتها المفعم بالحيوية سرعان ما يكشفان عن جانب آخر لهذه السيدة التي حملت على عاتقها الوقوف بجانب زملائها، دفاعا عن حقوقهم، ليشتعل بداخلها حلم تأسيس كيان يحتمون بداخله، وبخطوات ثابتة استطاعت فاطمة فؤاد، أن تصبح أول سيدة تترأس النقابة للعاملين في الضرائب على المبيعات.

طفولة مختلفة عمن يقاربها في العمر قضتها تلك الصغيرة بين أرجاء حزب التجمع، الذي ألقى بداخلها بذرة حب العمل العام، ملتقطة بآذانها بقايا أحاديث سياسية دارت بين والدها وأصدقائه، أصقلت ثقافتها منذ الصغر، ومع ممارسة أنواع مختلفة من الرياضة على رأسها الكاراتيه ازدانت هذه الطفولة.  

كبرت وتغيرت ملامحها وشخصيتها البريئة، إلا أنها احتفظت بحبها للغير ومساندة المظلومين، تاركة رصيدا إنسانيا هائلا في نفوس من حولها، الأمر الذي جعل الكثيرين يرغبون في رد الجميل إليها بعد تعرضها للانفصال وتحمل مسؤولية ابنتيها على كاهلها، وبالفعل ساندها أحدهم حتى وطأت قدماها باب "مصلحة الضرائب على المبيعات"، حسبما أكدت لـ"الوطن". 

ومع التحاقها بمقر عملها سرعان ما برزت سماتها الشخصية، وسعت في نشر ثقافة العمل العام بين زملائها، فكثيرا ما رأت بعض المشكلات التي تواجههم دون وجود كيان نقابي يحتمون به، ليكن نقل 1500 موظف من عملهم إلى مصلحة الضرائب العامة دون وجود سند قانوني، بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير" ليهتدي تفكيرها إلى تأسيس نقابة تدافع عن حقوق الموظفين.    

تخمرت الفكرة في رأسها الذي لا يكف عن التفكير في مساعدة زملائها، إلا أنها كثيرا ما واجهت بعض العقبات "للأسف ثقافة العمل العام مش منتشرة عندنا، فالبعض فكر أني مسنودة من الوزير عشان أعرف أخبارهم" إلا أن مواقفها أثبتت حسن نيتها واكتسبت ثقة زملائها، مجتمعين على فكرة تأسيس نقابة للعاملين في الضرائب على المبيعات.

"كنا فاكرين الدنيا وردي" بهذه المقولة تذكرت الأربعينية شعورها حينما استشعرت حماس زملائها في خطواتهم الأولى في تأسيس النقابة، مطالبين بإنهاء خدمة الموظفين الذين تجاوزا سن العمل، ليفاجأوا بإيقافهم عن العمل لمدة 6 أشهر مع إيقاف مرتباتهم أيضا، لتسري خيبة الأمل في نفوس بعض الزملاء متراجعين عن دعمهم لتأسيس النقابة. 

اعتصامات مستمرة قادها الموقوفون عن العمل، كانت على رأسهم فاطمة فؤاد، إلى أن جاءت الاستجابة وعادوا للعمل من جديد، لتحاول فؤاد جاهدة في لم الشمل وبث روح الأمل في حلم تأسيس النقابة، إلى أن أجريت الانتخابات ووجدت "فؤاد" أن النظرة الذكورية كانت المسيطرة على العاملين بالضرائب في محافظات الصعيد، لكن القوة التي اتسمت بها مواقفها جعلتها محل ثقة عند الجميع، وفازت برئاسة النقابة بالتزكية.     

أصبحت فاطمة فؤاد أول سيدة تتقلد منصب رئيس نقابة العاملين في الضرائب على المبيعات، فالمشقة التي يتسم بها العمل النقابي، كانت السبب الأساسي وراء عزوف السيدات عن هذا العمل، حيث 85% من أعضاء الجمعية العمومية للنقابة من الرجال.

"قانون الخدمة المدنية" المعركة الشرسة التي خاضتها فؤاد لتبرهن على قوتها حينما نظمت الكثير من الوقفات الاحتجاجية ضد تمرير هذا القانون، فكثيرا ما ذهبت إلى قسم الشرطة لعمل إخطار بهذه الوقفات، غير أنها ترأست من قابل رئيس الوزراء آنذاك إبراهيم محلب لتقديم معارضتها لهذا القانون "محدش يقول إني ست مقدرش أعمل حاجة، لأن الست دي عملت اللي الراجل معملهوش".    

حقوق كثيرة تحاول رئيس النقابة الحصول عليها للمساواة بين المرأة والرجل في العمل بمصلحة الضرائب، منها تعديل قانون التأمين الصحي الذي يتيح للرجال إضافة زوجاتهم، بينما لا تستطيع السيدات إضافة أزواجهن، لكن عدم وعي بعض النساء بحقوقهن من أصعب المعوقات التي تواجهها "بلاقي ستات كتير بيستشهدوا بالآية القرآنية الرجال قوامون على النساء، وبيقولوا مش المفروض إني أعالج جوزي".  

لا تبالي السيدة الأربعينية حينما تتعرض لبعض الإهانات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يد ابنتها الصغيرة الداعمة لخطواتها كثيرا ما تهوِّن عليها مرارة المواقف، غير أنها تجد نقيض ذلك الموقف عند ابنتها الكبرى التي تحاول إبعادها عن العمل "ساعات بتشوف إني بتعب نفسي على الفاضي".    

هوايات مختلفة وزيارات متسمرة للأهل والمعارف كانت على رأس أولويات المرأة الأربعينية قبل أن تنخرط داخل العمل النقابي، الذي أصبح حائلا بين ممارسة كل ذلك "عقبال ما أخلص شغلي والنقابة، بيكون الوقت انتهى، ومش بعرف أزور أهلي زي زمان، لكن ما زالت بحافظ على قراءة الجورنال كل يوم".