رئيس مجلس الادارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

ماما

"العنف ضد الأطفال".. إساءة في الصغر وفقدان ثقة عند الكبر

كتب: حنان سرور -

03:27 م | الإثنين 13 مارس 2017

صورة أرشيفية

يتبع العديد من الآباء والأمهات في مجتمعنا "التعنيف اللفظي" مع أطفالهم، ظنًا منهم أنها طريقة لتقويم سلوكهم، باستخدام التهديد والوعيد أو الانتقاد المستمر للطفل ومقارنته بزملائه، فضلا عن السخرية منه أو تمني عدم وجوده، ما قد يشعره بأنه غير مرغوب فيه داخل الأسرة، وهو ما يعتبر اغتصاب لحقوق الطفل اجتماعيا وإنسانيا.

ويوضح الأطباء النفسيين، مدى خطورة ذلك الأسلوب وتأثيره على نمو الطفل النفسي، وهو ما ينتقل تباعا للتأثير على تكوين شخصيته ونظرته لذاته ولأبويه في المستقبل.

ويقول أحمد علي (23 عاما)، إنه تعرض للعنف اللفظي وهو صغير من قبل والديه، مضيفم: "والداي اعتادا إهانتي أنا وأخوتي لفظيا عند فعل شيئ غير ملائم من وجهة نظرهم ككسر شيئ أو اللعب  فترة طويلة أو أي فعل آخر لا يرضيهم.

ويشير إلى أن أكثر فعل كان يؤثر فيه ويجعله عنيدًا عندما كانا يقارنوه بأبناء الجيران أو أبناء خاله أو أحد أقاربه متفوقا في دراسته، قائلا: "كنت بشعر بالغيظ جدًا تجاه من يقارنوه بي ومرت السنوات وكبرنا ولكننا لم نكن أصحاب الآن".

وتقول نهلة سامي (31 عاما): "لم يكن هناك أسوأ من أن تتعرض بنت صغيره إلى السباب والتقليل من شأنها والسخرية منها، مضيفة لدي طفلة أحاول بقدر المستطاع تجنب التعامل معها بأسلوب التهديد أو الإساءة اللفظية لأني تعرضت لهم في صغري وأعلم جيدًا كيف يؤثر هذا الأسلوب في نفسية الأطفال، مشيرة إلى أن التقليل من شأنها وهي صغيرة أفقدها جزء كبير من ثقتها في نفسها وبالتالي لا تريد أن تكرر نفس ما تعرضت له مع طفلتها".

{long_qoute_1}وفي ذات السياق كشفت المجلة الدورية الدورية الأمريكية للطب النفسي، أن الإساءة اللفظية في الطفولة يمكن أن تجرح الأطفال بشدة، ويترتب عليها بعض الآثار مثل تدني الثقة بالنفس، واكتساب تدمير الذات مثل إيذاء نفسه، والسلوك العدواني، والتأثير على نمو الطفل الجسدي والاجتماعي والدراسي، وقد يظهر أعراض الاضطراب العاطفي على الطفل مثل مص الإبهام أو التبول اللاإرادي، كما أظهرت الدراسة أنه على المدى الطويل قد يكون الطفل عرضه للاكتئاب والقلق عند الكبر، ويلجأ بعض الأطفال للعنف كوسيلة للتفاهم.

وتؤكد ناتالي ساكس أريكسون أستاذة الطب النفسي في جامعة فلوريدا، أن العنف اللفظي، وجدت من خلالها أن الأشخاص الذين تعرضوا لأي نوع من أنواع السباب خلال طفولتهم لديهم أعراض الاكتئاب والقلق أكثر من 1.6 ضعف من غيرهم الذين لم يتعرضوا للسباب، ويتضاعف احتمال معاناتهم من اضطرابات القلق أو المزاج أكثر في حياتهم.

وتشير إلى أن الدراسة شملت أكثر من 3 ألاف أسرة اتضح أن 63% من الآباء أفادوا بحدوث واحدة أو أكثر من حالات العدوان اللفظي تجاه الأطفال في منازلهم، أما في بريطانيا أشارت إلى أن 10% من الأطفال يعانون من واحد أو أكثر من مختلف أنواع الاعتداء، بما فيهم العنف اللفظي.

وتقول الخبيرة التربوية الدكتورة بثينة عبد الرؤوف، إن هناك أخطاء وممارسات كثيرة في تربية الأبناء تقع أحيانا عن جهل وأحيانا عن عمد، مؤكدة أن هذه الممارسات الخاطئة لها آثارًا سلبية كبيرة على الأبناء وتربيتهم، مضيفة أن أسلوب تحقير الطفل وتعنيفه على أي خطأ يقوم به وإشعاره بالنقص والمهانة أسلوب خاطئ والصواب هو أن يتم تنبيه الطفل على خطأه برفق ولين مع إقناعه بالحجج على تجنب تكرار هذا الأمر.

{long_qoute_2}وتضيف أستاذة الطب النفسي، لـ"الوطن"، أن احتقار أراء الأطفال وإسكاتهم يجعل الطفل عديم الثقة بنفسه ويفتقد الجرأة في التعبير عن ما يريده ويكون خجولا أمام الناس، مؤكدة أن تثبيت الإحساس بالذنب وتحقير الطفل وخجلة من أكثر الأشياء خطورة على نفسيه الطفل لأن الذي يغرسه الآباء في نفسيه الأطفال لم يفلحوا في علاجه فيما بعد.

وتشير أستاذة الطب النفسي، إلى أنه في أغلب الأحيان تكون الأسباب التي يحقر الآباء أطفالهم بسببها هم أنفسهم عانوا منها في صغرهم على أيدي أبائهم، لذلك يجب أن يعلم الآباء أن سوء المعاملة مع أطفالهم يؤثر بشكل كبير في شخصياتهم في المستقبل، خاصة التحصيل الدراسي لأن الطفل الذي يفتقد الثقة بالنفس يخشى المبادرة والقيام بعمل أي شيء لأنه يخشي الفشل والتأنيب ويكون دائم التردد.

وتتابع: "طريقة العقاب الذي يوقعه الأب والأم على الطفل قد يزيد من عدوانيته، ويكون رد فعله سلوك العدوان تجاه لأطفال الأخرى، كما أنه يزيد شعور الطفل بالقلق وعدم الاستقرار النفسي والخوف من العقاب، وهذا يجعله شاعر بالنقص ويولد لديه صراع داخلي، الذي يولد على المستوى البعيد سلوك مضطرب وصور ذهنيه سلبيه وذكريات سيئة".

{long_qoute_3}

وتشدد أستاذ علم الاجتماع الدكتور سامية خضر، على ضرورة تجنب سباب الأطفال أو السخرية منهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتضيف أن التلفظ بكلمات قاسية على الأطفال ينعكس على النمو السليم وعلى بناء شخصيته، وتضيف نحن نحتاج إلى أجيال صالحة في المجتمع لا أن يكونوا مرضى نفسيين.

وتضيف لـ"الوطن"، أن أسباب اللجوء للعنف اللفظي ترجع لسببين أسري وتربوي، وتوضح أن الأسباب الأسرية تعود إلى نشأة أحد الوالدين في أسرة وجو مليء بالعنف اللفظي والجسدي، أو المشاكل بين الوالدين والذين قد يفتقدون احترام أنفسهم، وجهلهم بآثار سبابهم للطفل والحط من قدراته أو عدم ثقافتهم بأساليب التربية السليمة، أما السبب التربوي يعتمد على الوسط الاجتماعي الذي ينتمي له المعلم في المدرسة والذي ينعكس على أفكاره وعدم تأهيله وإعداده تربويًا للتعامل مع الأطفال، كما أن الفكرة الخاطئة المتواجدة عند كثير من المعلمين وهي أن يكون معلمًا ناجحًا يجب أن يكون متسلطًا، وهو ما يظهر في قلة خبرته ولجوءه للعنف اللفظي والضرب أحيانا لتغطية فشله في التواصل مع الأطفال.

ويقول أستاذ الطب النفسي الدكتور سعيد عبد العظيم، أن عقاب الطفل له قواعد صحيحة،{left_qoute_1} أهمها أن يعرف الطفل مسبقًا الأشياء التي تستوجب عقابه، لا أن يتم سبابه ونهره والسخرية منه ويمر الموقف دون إصلاح بل إفساد نفسيه الطفل، ويضيف يجب على الأبوين أن يفهموا طفلهما أن هناك قواعد معينه ومعلنه وأن تجاوزها يعرضه للعقاب، على أن يكون هذا العقاب إصلاحيا وليس انتقاميًا وفي مصلحة الطفل وليس الأبوين.

ويضيف لـ"الوطن"، أن عقاب الطفل يجب أن يكون متدرج ومتناسب مع شخصية الطفل نفسه، لأن الطفل الذي تخيفه النظرة لا يجب أن نوبخه، والطفل الذي ينصلح بالتوبيخ لا يجب أن نضربه، ويجب أن يكون العقاب مناسب مع الخطأ وله نهاية مثل الحرمان من المصروف يوم أو يومين فقط، ويؤكد أن أهم شيء في إتباع هذا الأسلوب هو أشعار الطفل أنه يعاقب لأنه فعل شيء سيء وليس لأنه هو السيئ، والتوضيح للطفل بأن العقاب ليس موجه لشخصه أو انتقاما منه ولكن بسبب فعله الخاطئ.

وفي ذات السياق، يقول أستاذ الطب النفسي الدكتور سعيد عبد العظيم، أنه يجب على الأبوين مراقبة الطفل ليعرفوا سماته الإيجابية، والثناء عليه إذا قام بعمل إيجابي لأن الأطفال يحتاجون إلى الشعور بالحب والقبول والتشجيع والاهتمام ليتحقق لهم الاستقرار النفسي والشعور بالأمان وسط الأسرة، وهذا ما يجعله ينشأ سليما وسويا ونافعا للمجتمع.

ويضيف لـ"الوطن"، أن الأطفال شخصيات قد تتحمل وتحول السلبيات إلى دافع للنجاح أو يكون الطفل شخصية هشة وضعيفة مما يجعل هذا العنف يؤثر بشكل مباشر على مستقبله من خلال إيمانه بالألفاظ التي يتلقاها، لذلك الرأفة مهمة بشكل كبير في أسلوب التربية لأن كل طفل فريد من نوعه ولديه طريقته الخاصة، وليس من المهم أن يحقق الطفل ما يريده الأبوين ولكن الأهم أن يفعل ما يقتنع به ويرضيه ويسعده لأن لحظات الطفولة تمر ولا تعود مره أخرى.

ويؤكد أستاذ الطب النفسي، أن اعتذار الآباء لأطفالهم شيئ إيجابي ويعزز ثقافة الاعتذار لديهم وثقتهم بأنفسهم، وينصح بأن لا يوجه الآباء السباب والإساءات اللفظية للأطفال أو الصراخ في وجوههم لأن تلك التصرفات تحفر في ذاكرتهم، وإذا أراد الأبوين احترام طفلهم لابد أن يبادروا باحترامه أولا، والمنزل الذي ينعم بالهدوء وأجواء الاحترام ينشأ أطفالا أسوياء غير المنزل الذي يضج بالسباب والأصوات العالية والمشاكل المتكررة أمام الأطفال.